
فجمعه معيزة وجمع الماعزة مواعز، وقرأ أهل المدينة والكوفة: مِنَ الْمَعْزِ ساكنة العين والباقون بالفتح، وفي مصحف أبيّ: من المعزى، وقرأ أبان بن عثمان: من الضأن اثنان ومن المعز اثنين، قُلْ يا محمد: آلذَّكَرَيْنِ حرّم الله عليكم؟ ذكر الضأن حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ والمعز؟ أم أنثييهما [والنصب] قوله آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ منهما نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ.
وذلك أنّهم كانوا يقولون هذِهِ أَنْعامٌ [وَحَرْثٌ حِجْرٌ]، وقالوا: ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا، فحرّموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.
فلما قام الإسلام وثبتت الأحكام جادلوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان خطيبهم يومئذ مالك بن عوف وأبو النضر [النصري] فقال: يا محمد [رأينا] أنّك تحرّم ما كان آباؤنا يفعلونه؟
فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنكم قد حرّمتم أصنافا من النعم على [غير... ] «١» إن الله خلق الله هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها فمن أين حرمت ذكران هذه النعم على نسائكم دون رجالكم؟
فإن زعمتم أن تحريمه من أجل الذكران وجب أن تحرموا كل ذكر، لأن للذكر فيها حظا، وإن زعمتم أنّ تحريمه من جهة الأنثى وجب أن تحرموا كل أنثى لأن للإناث فيها حظّا، وإن زعمتم أن تحريمه لاجتماع الذكر والأنثى فيه وما اشتمل الرحم عليه وجب أن تحرّموا الذكر والأنثى والحي والميّت، لأنّه لا يكون ولد إلّا من ذكر وأنثى ولا يشتمل الرحم إلّا على ذكر وأنثى، فلم تحرمون بعضا وتحلّون بعضا؟ فسكت.
فلما لزمته الحجّة أخذ بالافتراء على الله فقال: كذا أمرنا الله
فقال الله تعالى أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ [حضورا] إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.

[ثمّ بيّن] المحرمات فقال قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً أي شيئا محرّما عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ آكل يأكله.
وقرأ علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: يَطَعَّمُهُ مثقلة بالطاء
أراد يتطعّمه فأدغم، وقرأت عائشة على طاعم طعمه «١» إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً [مهراقا] سائلا. قال عمران بن جرير: سألت أبا مجلز عمّا يتلطخ من اللحم بالدم وعن القدر تعلوها حمرة الدم. قال: لا بأس به إنّما نهى الله سبحانه عن الدم المسفوح.
وقال إبراهيم: لا بأس الدم في عروق أو مخ إلّا المسفوح الذي تعمّد ذلك، قال عكرمة:
لولا هذه الآية لاتّبع المسلمون من العروق ما تتبّع اليهود «٢» أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ خبيث أَوْ فِسْقاً معصية أُهِلَّ ذبح لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا يعني اليهود حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وهو ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطير. مثل الإبل والنعّام والإوزة والبط.
قال ابن زيد: هو الإبل فقط. وقال القتيبي: هو كلّ ذي مخلب من الطيور وكل ذي حافر من الدواب، وقد حكاه عن بعض المفسّرين، وقيل: سمّي الحافر ظفرا على الاستعارة وأنشد قول طرفة:
فما رقد الولدان حتّى رأيته | على البكر يمريه بساق وحافر «٣» |
وقرأ الحسن كُلَّ ذِي ظِفْرٍ مكسورة الظاء مسكنة الفاء. وقرأ [أبو سماك] ظِفِرٍ بكسر الظاء والفاء وهي لغة.
(٢) راجع تفسير القرطبي: ٧/ ١٢٤.
(٣) البيت لجبيها الأسدي كما في اللسان: ٤/ ٢٠٦. [.....]

وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما يعني [الشروب] وشحم الكليتين إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أي ما علق بالظهر والجانب إلّا من داخل بطونها أَوِ الْحَوايا يعني الماعز أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ مثل لحم الإلية ذلِكَ التحريم جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ بظلمهم عقوبة لهم بقتلهم الأنبياء وصدهم عن سبيل الله وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل وَإِنَّا لَصادِقُونَ في أخبارنا عن هؤلاء اليهود وعمّا حرّمنا عليهم من اللحوم والشحوم.
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [لمّا الزمنا بينهم] الحجّة وتبيّنوا وتيقنوا باطل ما كانوا عليه لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا من قبل وَلا حَرَّمْنا ما حرّمنا من التغاير والسوايب وغير ذلك لأنّه قادر على أن يحمل بيننا وبين ذلك حتّى لا نفعله ولكنّه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأصنام وتحريم الحرث والأنعام وأراد منّا وأمرنا به فلم يحل بيننا وبين ذلك فقال الله تعالى تكذيبا لهم وردّا عليهم كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولو كان كذلك خيرا من الله تعالى عن من كذّبهم في قولهم لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا لقال كذلك (كذّب الذين من قبلهم) بتخفيف الذال وكان نسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب.
وقال الحسن بن الفضل: [لمّا خبّروا بهذه المقالة] تعظيما وإجلالا لله سبحانه وتعالى وصفة منهم به لمّا عابهم ذلك، لأن الله قال وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وقال سبحانه: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وقال وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ والمؤمنون يقولون هذا ولكنّهم قالوا ذلك تكذيبا وتخرصا وبدلا من غير معرفة بالله تعالى وبما [يقولون] نظيره قوله وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ «١»، قال الله تعالى ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ بقولهم هذا من غير علم بيّنهم بآية والمؤمنون وبقوله وعلم منهم بالله عزّ وجلّ ثمّ قال هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ من حظ وحجّة على ما يقولون من غير علم ويقين وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ تكذّبون قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ التامة الكافية على خلقه فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا أي احضروهم وأتوا بهم فقالوا: نحن نشهد، فقال الله تعالى: فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ إلى قوله يَعْدِلُونَ يشركون.