آيات من القرآن الكريم

قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَا ۖ فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۚ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

والنّوع الثاني- شحوم البقر والغنم: وهي الشحوم الرقيقة التي تكون على الكرش والكلى. واستثنى الله تعالى من الشحوم ثلاثة أنواع لم يحرمها عليهم وهي: ما علق بالظهر ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما، والْحَوايا: قال الواحدي: وهي المباعر والمصارين، والمختلط بالعظم مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ:
وهو شحم الألية في قول جميع المفسّرين. قال ابن جريج: حرّم عليهم كلّ شحم غير مختلط بعظم أو على عظم، وأحلّ لهم شحم الجنب والألية لأنه على العصعص.
وقد احتجّ الشافعي بهذه الآية في أن من حلف ألّا يأكل الشحم، حنث بأكل شحم الظّهور لاستثناء الله عزّ وجلّ ما على ظهورهما من جملة الشّحم.
والصحيح مذهب عامة العلماء: أن اليهود لو ذبحوا أنعامهم، فأكلوا ما أحلّ الله لهم في التّوراة، وتركوا ما حرّم عليهم، لم يكن عليهم بأس فإنها محلّلة لنا لأن الله عزّ وجلّ رفع ذلك التّحريم بالإسلام، واعتقادهم فيه لا يؤثر لأنه اعتقاد فاسد، ويؤيده
أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أقرّ عبد الله بن مغفّل على الأكل من جراب شحم أصابه يوم خيبر.
وقيل في رواية عن مالك: هي محرّمة لأنهم يدينون بتحريمها، ولا يقصدونها عند الذّكاة (الذّبح الشّرعي) فكانت محرّمة كالدّم. وهو مذهب كبراء أصحاب مالك.
نسبة المشركين الشرك والتحريم إلى الله تعالى وإقامة الحجة عليهم
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٨ الى ١٥٠]
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠)

صفحة رقم 86

الإعراب:
هَلُمَّ اسم فعل أمر بمعنى هاتوا، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث عند الحجازيين، وبنو تميم تؤنث وتجمع.
البلاغة:
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وضع الظاهر موضع المضمر بأن يقال: ولا تتبع أهواءهم، للدلالة على أن من كذب بآيات الله وعدل به غيره، فهو متبع للهوى لا غير لأنه لو اتبع الدليل، لم يكن إلا مصدّقا بالآيات، موحدا لله تعالى.
المفردات اللغوية:
ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ أي أن إشراكنا وتحريمنا بمشيئة الله، فهو راض به. كَذلِكَ كما كذب هؤلاء كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ رسلهم. بَأْسَنا عذابنا. هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ بأن الله راض بذلك. فَتُخْرِجُوهُ لَنا أي لا علم عندكم. إِنْ ما.
تَتَّبِعُونَ في ذلك. تَخْرُصُونَ تكذبون، وأصل معنى الخرص: الحزر والتخمين.
الْحُجَّةُ الدليل المبين الحق. الْبالِغَةُ التامة.
هَلُمَّ أحضروا. يَعْدِلُونَ يتخذون له عدلا مساويا، والمراد: يشركون.
المناسبة:
لما حكى الله تعالى عن أهل الجاهلية إقدامهم على الحكم في دين الله بغير حجة ولا دليل، حكى عنهم عذرهم في كل ما يقدمون عليه من أنواع الكفر أو الشرك،

صفحة رقم 87

فيقولون: لو شاء الله منا ألا نكفر لمنعنا عن هذا الكفر، وحيث لم يمنعنا عنه، ثبت أنه مريد لذلك، فإذا أراد الله ذلك منا، امتنع منا تركه، فكنا معذورين فيه.
وهذا حكاية عن لسان حالهم أو عما سيقولونه لأن الله محيط علمه بكل شيء سيقولونه، فهو من إخباره بالمغيبات قبل وقوعها.
التفسير والبيان:
هذه شبهة تشبّث بها المشركون في شركهم وتحريم ما حرموا، فإن الله مطلع على ما هم فيه من الشرك، والتحريم لما حرموه، فأخبر بما سوف يقولونه.
إنهم يقولون: إن شركهم، وشرك آبائهم، وتحريمهم ما أحل الله من الحرث والأنعام، هو بمشيئة الله وإرادته، ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك، كمذهب الجبرية بعينه.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا، وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل ١٦/ ٣٥] وقوله عز وجل: لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ، ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الزخرف ٤٣/ ٢٠].
فردّ الله عليهم شبهتهم بقوله: كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ... أي مثل ذلك التكذيب الذي صدر من مشركي العرب وأهل مكة للنبي صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به من إثبات الوحدانية والربوبية لله تعالى، وقصر التشريع والتحليل والتحريم عليه، وإبطال الشرك، كذب الذين من قبلهم رسلهم تكذيبا غير مبني على أساس من العلم والعقل.
وذلك لأنهم كذبوا ما جاءت به الرسل، ولم ينظروا فيها، وإنما أعرضوا

صفحة رقم 88

عنها، ولأن قولهم لو كان صحيحا لما عاقبهم الله تعالى على كفرهم لأن الله عادل، فلو كانت أعمالهم المكفّرة صادرة عنهم بإجبار أو إكراه وقهر، لما استحقوا العقاب عليها، ولما كرر تعالى قوله في القرآن مثلا: أخذناهم بذنوبهم، وأهلكناهم بظلمهم وكفرهم.
وهو معنى قوله: حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا أي حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم، مما يدل على أن كفرهم وتحليلهم وتحريمهم كان باختيارهم وإرادتهم، وإن كان الله تعالى قادرا على تغيير موقفهم، بأن يلهمهم الإيمان، ويحول بينهم وبين الكفر، وأن ذلك الموقف هو أيضا بإرادة الله لأنه لا يقع شيء في الكون بدون مشيئة الله وإرادته.
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يطالبهم بالبرهان على ما زعموا فقال: قُلْ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ... أي هل لديكم أمر معلوم وبرهان واضح يصح الاحتجاج به فيما قلتم، فتخرجوه لنا أي تظهرونه وتبينونه لنا لنفهمه؟ وهذا الاستفهام تهكم وإظهار بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة، وتوبيخ لهم على ما يزعمون.
وحقيقة حالهم هي ما قال تعالى: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ... أي لا حجة ولا برهان على ما تقولون، وما تتبعون إلا الوهم والخيال والاعتقاد الفاسد، وما أنتم إلا تكذبون على الله فيما ادعيتموه.
ثم أثبت الله تعالى لذاته الإتيان بالدليل الساطع المبين للدين الحق فقال:
قُلْ: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ.. أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الجاهلين بعد إفلاسهم وعجزهم عن الإتيان بدليل مقنع: لله تعالى الحجة التامة الكاملة على ما أراد من إثبات الحقائق وإبطال الباطل، وتقرير أصول الاعتقاد، وتشريع الأحكام الصائبة، وإلغاء ما تذهبون إليه بالآيات الكثيرة والمعجزات التي أيد بها الرسل.

صفحة رقم 89

ولو شاء تعالى أن يهديكم وغيركم وجميع الناس بغير التعليم والإرشاد والنظر والاستدلال، لفعل، فجعلكم تؤمنون بالفطرة كالملائكة، فلا يكون لكم دور في الاختيار، والإرادة، والتمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، ويكون موقف مخالفيكم أيضا بمشيئة الله، فلا يصح أن تعادوهم، وعليكم أن توافقوهم ولا تخالفوهم لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه.
ونظير الآية قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى [الأنعام ٦/ ٣٥] وقوله عز وجل: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس ١٠/ ٩٩].
ثم أمر الله رسوله بمطالبة المشركين بأن يأتوا بشهود يشهدون على صحة ما يدعونه من تحريم الله هذه المحرمات، فقال: قُلْ: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ... أي أحضروا شهداءكم الذين يشهدون لكم عن عيان أن الله حرم عليكم هذا الذي زعمتم تحريمه وكذبتم وافتريتم على الله فيه.
فإن شهدوا على سبيل الفرض، فلا تصدقهم، ولا تسلم لهم، ولا تقبل لهم شهادة إذ لو سلم لهم، فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم، وكان واحدا منهم، لأنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذبا وزورا، فهم شهود زور كاذبون. ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآيات الله الدالة على وحدانيته وربوبيته ومنها حقه في التشريع والتحليل والتحريم، ولا تتبع هؤلاء الجاهلين المتبعين لأهوائهم الذين لا يوقنون بمجيء الآخرة، حتى يحملهم الإيمان على سماع الدليل إذا ذكر لهم، وهم يشركون بربهم، ويجعلون له عديلا يشاركه في جلب الخير ودفع الضر، والحساب والجزاء.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:

صفحة رقم 90

١- إن اعتذار الكافرين عن كفرهم بما يشبه قول الجبرية: لو شاء الله منا ألا نشرك لم نشرك اعتذار مرفوض لم يقبله الله تعالى لأنه سبحانه أعطاهم عقولا كاملة، وأفهاما وافية، وأقدرهم على الخير والشر، وأزال الموانع بالكلية عنهم، فإن شاؤوا عملوا الخيرات، وإن شاؤوا عملوا المعاصي والمنكرات.
وقد أعانهم الله على حسن الاختيار بإنزاله الكتب، وإرساله الرسل والأنبياء، وإرشاده إلى التوحيد لله بالنظر في المخلوقات، وتأييده الرسل بالمعجزات، وتلك هي الحجة البالغة على أن الله واحد لا شريك له.
فأما علم الله تعالى وإرادته وكلامه فغيب لا يطلع عليه الإنسان إلا من ارتضى من رسول.
ويكفي في التكليف أن يكون العبد بحيث لو أراد أن يفعل ما أمر به لأمكنه، ولا مانع يمنعه، فهو مستطيع الإيمان، قادر على نبذ الكفر.
ولو كان الإنسان مجبرا على الكفر والمعصية كالريشة في مهب الرياح كما يزعم الجبرية، لما اقتضى العدل الإلهي تكليفه بشيء، وإثابته وعقابه في الآخرة.
وقد تبين بهذا بطلان شبهات الكافرين، ودحض حججهم أمام الحجج الإلهية القاطعة. فإن شهد بعضهم لبعض على صحة ما يقولون، فلا تصدق شهادتهم إلا من كتاب إلهي أو على لسان نبي، وليس معهم شيء من ذلك، وما هم إلا شهود كاذبون مبطلون فيما يخبرون.
والمطلوب الإتيان بشهود الحق لا شهود الزور والباطل، فإن قيل: كيف أمر الله نبيه باستحضار شهدائهم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعموه محرما، ثم أمره بأن لا يشهد معهم؟ أجيب: أمره باستحضارهم، وهم شهداء بالباطل، ليلزمهم الحجة، ويظهر زيف شهادتهم، فيحق الحق، ويبطل الباطل.

صفحة رقم 91
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية