آيات من القرآن الكريم

قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَا ۖ فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۚ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

قوله: ﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُم﴾ «هَلُمَّ» هنا اسْم فِعْلِ معنى «أحْضِروا»، و «شُهَدَاءكم» مفْعُول به؛ فإن اسْم الفِعْل يعمل عَمَلَ مُسَمَّاه من تعدِّ ولُزُوم.
واعمل أن «هَلُمَّ» فيها لُغَتان: لغة الحِجَازيِّين، ولغة التميميين:
فأمّا لغة الحِجَاز: فإنِّها فيها بصيغَةٍ واحدةٍ سواء اسْندت لمُفْرَدٍ أم مُثَنى أم مَجْمُوع أم مؤنث، نحو: هَلُمَّ يا زَيْد، يا زَيْدَان، يا زَيْدُون، يا هِنْد، يا هِنْدَان، يا هِنْدات، وهي على هذه اللّغَة عن النُّحَاةِ اسْم فِعْل؛ لعدم تغيُّرها، والتزمت العَرَب فَتْح المِيم على هذه الأفْعَال، فَيُقَال: هَلُمَّا، هَلُمُّوا هَلَمِّي، هَلُمُمْنَ.
وقال الفراء: «يقال هَلُمِّينَ يا نِسْوَة» وهي على هذه اللُّغَة فعل صَرِيحٌ لا يتصيرف؛ هذا قول الجُمْهُور، وقد خَالفَ بَعْضُهم في فِعْليَّتِها على هذه اللَّغَة؛ وليس بشيء، والتزَمَت العَرَب أيضاً فِيهَا على لُغَة تَمِيم فَتْح الميم إذا كانت مُسْندة لضيمر الواحِد المُذَكَّر، ولم يُجِيزُوا فيها ما أجَازُوا في ردِّ وشدَّ من الضَّمِّ والكَسْر.
واختلف النحويين فيها: هل هي بَسِيطَةٌ أو مركبة؟ ثم القائلون بترْكِيبَها اختلفوا فيما رُكِّبَت مِنهُ: فَجُمْهُور البَّصْريِّين على أنَّها مركَّبَة من «هَا» الَّتِي للتَّنْبِيه، ومن «الممْ» أمراً من لَمَّ يَلُمُّ، فلما رُكِّبَتا حُذِفَتْ ألِفُها لكثرة الاسْتِعْمَال، وسقطت هَمْزَة الوصْل؛ للاسْتِغْنَاء عنها بِحَرَكة الميم المنقُولة إليْهَا لأجْل الإدْغَام، وأدغمت الميمُ في الميم، وبُنيت على الفَتْح.
وقيل: بل نُقِلَت حركَةُ الميم للاَّم، فَسَقَطت الهَمْزَة للاستِغْنَاء عنها، فلّما جِيئَ ل «هَا» التي للتَّنْبيه، التقى ساكنان: ألف «هَا» واللاَّم من «لَمَّ» لأنها سَاكِنَة تقديراً، ولم يَعْتَدوا بهذه الحركَة؛ لأن حَركة النَّقْل عارِضَة، فحُذِفَت ألِف «

صفحة رقم 502

هاء» الالْتِقَاء السَّاكنيْن تقديراً.
وقيل: بل حُذِفَت ألف «هَا» لالتقاء السَّاكنين؛ وذلك أنَّه لمَّا جيء بها مع الميم، سَقَطَت هَمْزَة الوَصْل في الدرج، فالتقى ساكنان: الف «ها» ولام «الممْ» فحذفت ألف «هَا» فبقى «هَلْمُم» فنقلت حَرَكَة الميمِ إلى اللاَّم وأدْغِمَت.
وذهب بعضهم إلى أنَّها مركَّبة من «هَا» التي للتَّنْبيه أيضاً، ومن «لَمَّ» أمْراً مِنْ «لَمَّ اللَّهُ شَعْثَه» أي: جَمَعَه، والمعنى عليه في هَلُمَّ؛ لأنه بمعنى: اجمع نَفْسَك إلَيْنَا، فحذفت ألِف «ها» لكثْرة الاستِعْمَال، وهذا سَهْل جداً؛ إذا ليس فيه إلا عَمَلٌ واحِدٌ، هو حَذْفُ ألف «ها» ؛ وهو مَذْهَب الخَلِيل وسيبوَيْه.
وذهب الفرَّاء إلى أنها مركّبة من «هَلْ» التي هي للزَّجْر، ومن «أمَّ» أمراً من «الأمّ» وهو القَصْد، وليس فيه إلا عَمَلٌ واحد؛ وهو نَقْل حَرَكة الهَمْزة إلى لامِ «هَلْ» وقد رُدَّ كل واحد من هذه المَذَاهِب بما يطُولُ الكتاب بذِكْرِه من غير فَائِدة.
و «هلم» : يكون مُتَعَدِّيَة بمعنى أحْضِر، ولازمَة بمعنى أقْبِل، فَمَنْ جَعَلَها مُتعدِّية، أخذها مِنَ اللَّمِّ وهو الجمع، ومَنْ جَعَلَها قَاصِرَةً، أخذها مِن اللَّمَمِ وهو الدُّنُو والقُرْب.

فصل في المقصود بإقامة الشهداء


اعلم أنه - تبارك وتعالى - نبه استِدْعَاء إقامة الشُّهَدَاء من الكَافِرين؛ لِيُظْهِر أن لا شَاهِد لهم على تَحْرِيم ما حَرَّمُوه.
وقوله: «فإن شهدوا فلا تشهد معهم» تنْبِيهاً على كَوْنهم كاذِبين، ثم بين - تعالى - أنَّه إن وقعَت مِنْهُم تلك الشَّهَادة، فَعَنِ اتِّبَاع الهَوَى، فأنت لا تَتَّبع أهواءهم، ثم زاد في تَقْبيح ذلك بأنهم لا يؤمنون بالآخِرَة، وكانوا ممَّن ينكرُون البَعْثَ والنُّشُور، ثم زَاد في تَقْبيح ذلك بأنهم يَعْدِلُون برَبِّهم، ويَجْعَلُون له شُرَكَاء - سبحانه وتعالى عما يَقُولون عُلُوَّاً كبيراً -.

صفحة رقم 503
اللباب في علوم الكتاب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان
سنة النشر
1419 - 1998
الطبعة
الأولى، 1419 ه -1998م
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية