آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

الاعتراف ولا مناص من الهرب واعترافهم هذا لا ينافي جحدهم الشرك في قولهم (وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) الآية ٢٣ المارة، وقد مر أن
يوم القيامة طويل وأحواله مختلفة ولكل مقام مقال فإنهم إذا رأوا ما حصل للمؤمنين من الكرامة أنكروا الشرك وإذا رأوا الحساب جادلوا وإذا رأوا شركاءهم طرحوا اللوم عليهم وإذا أدخلوا النار تجادلوا مع أوليائهم ورؤسائهم وهكذا إلا أن كل ذلك لا ينفعهم ولا يخلّصهم من العذاب المتحتم عليهم وقدمنا في الآية ٢٧ المارة والآية ٨٣ من سورة النمل في ج ١، ما يتعلق بهذا البحث فراجعه
«ذلِكَ» إشارة لما تقدم في قوله تعالى ويوم نحشرهم إلى هنا «أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ» أقدموا عليه قبل ان نرسل إليهم رسولا يأمرهم وينهاهم ويرشدهم لما يأنون ويذرون «وَأَهْلُها غافِلُونَ ١٣١» لم ينبهوا من قبل رسل الله أن ذلك يكون ظلما عليهم والله تعالى لا يحب الظلم ولا يفعله كيف وقد نهى عنه عباده أما إذا جاءهم رسول من عند الله وأنذرهم عذابه إن لم يؤمنوا ويقلعوا عن المعاصي ولم يفعلوا فأوقع عليهم العذاب فيكون عدلا منه لأنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بعدم الامتثال لأوامر الرسل وتماديهم في الشرك والظلم، والعدل الذي أمر الله به عباده هو الحق الخالص روح كل نظام وحياة كل كمال وهو الأصل الراسخ وقوام كل خير في السماء والأرض يهتدي إليه كل ذي عقل سليم ويؤيده العلم الصحيح ويؤدي إلى النظر القويم فيرتاح إليه القلب ويطمئن له الضمير وتركن إليه الجوارح «وَلِكُلٍّ» من الفريقين «دَرَجاتٌ» للمؤمنين في الجنة ودركات للكافرين في النار «مِمَّا عَمِلُوا» لكل بمقتضى عمله وسببه جزاء له وثوابا للطائعين وعقابا للعاصين «وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ١٣٢» سرا وعلنا خيرا أو شرا لأن كلا من الفريقين مدون عملهما من قبل الحفظة ومسجل في اللوح المحفوظ وثابت في علمه الأزلي «وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ» عنهما وعن عملهما وهو «ذُو الرَّحْمَةِ» الواسعة «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ» أيها الناس صالحكم وطائعكم «وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ» من خلقه أطوع وأحسن وأمثل منكم وينشئهم «كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ١٣٣» أهلكوا قبلكم بذنوبهم. واعلموا أيها الناس «إِنَّ ما

صفحة رقم 406

تُوعَدُونَ»
به من العذاب إذا أصررتم على كفركم «لَآتٍ» إليكم وواقع بكم لا محالة كما أن ما توعدون به من البعث والحساب على الأعمال والعقاب عليها كائن البتة «وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ١٣٤» الله ولا فائتين عذابه ولا مفلتين منه، لأنه يدرككم حيثما كنتم ويدخلكم النار، كما أن ما وعده للمؤمنين من الثواب آت إليهم، قال تعالى لرسوله «قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ» حالتكم التي أنتم عليها وقرىء مكاناتكم جمع مكانة بمعنى المكان وقيل على تمكنكم أي حسبما تستطيعون من الأعمال والأقوال «إِنِّي عامِلٌ» على حالتي وتمكني «فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» غدا في الآخرة «مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ» المحمودة أنا أم أنتم فاتقوا الله قبل أن يحل بكم عذابه وأقلعوا عن الظلم «إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ١٣٥» بمطلوبهم ولا يفوزون بمرغوبهم إذ لا يسعد من كفر بالله، وما قيل إن هذه الآية منسوخة لأن المراد منها ترك القتال لا وجه له بل هي محكمة وغاية ما فيها التهديد والوعيد وهي من الأخبار والأخبار لا يدخلها النسخ، تأمل ما قدمناه في الآيات ٦٩- ٧٠ و ٩١- ١٠٤ من هذه السورة وهذا طريق لطيف في الإنذار جاء على حد قوله تعالى (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) الآية ٨١ من هذه السورة أيضا.
مطلب الأشياء التي ذم الله بها العرب وعدم جواز الوقف على الذكور وتخصيصهم دون الإناث بشيء:
قال تعالى «وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ» خلق وبرأ «مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً» حظا وسهما ولأصنامهم مثله كما يدل عليه قوله جل قوله «فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا» بزعمهم أيضا من حيث أن الله لم يأمرهم بذلك ولم يشرع لهم هذه القسمة ولهذا «فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ» أصناما أو غيرها «فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ» لأنه ليس له خالصا وهو جل شأنه لا يقبل الشركة ولأنهم لم يعطوه للمساكين ولم ينفقوه على الأرحام والفقراء والضيوف «وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ» لأنهم ينفقونه على سدنة الأوثان ويسمونه لله تسمية فقط، وهكذا كان حكمهم السيء ولهذا عابه الله عليهم بقوله «ساءَ

صفحة رقم 407

ما يَحْكُمُونَ
١٣٦» في هذا التقسيم المجحف إذ يؤثرون آلهتهم على الله والله أحق أن يراعى جانبه ويحفظ حقه، فبئس القضاء قضاؤهم. روي أنهم كانوا يعينون أشياء من حرث وأنعام لله تعالى ومثلها لآلهتهم فإذا رأوا ما جعلوه لله زاكيا ناميا رجعوا فجعلوه للأوثان، وإذا رأوا ما جعلوه للأوثان زاكيا ناميا تركوه لها وقالوا إن الله غني عنه، قاتلهم الله يعرفونه غنيا وقادرا وضارا ونافعا ويعبدون غيره ويرجحونه عليه «وَكَذلِكَ» مثل ما زين لهم تجزئة أحوالهم «زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ» شياطينهم لأنهم أطاعوا وسوستهم يوأد البنات وسموا شركاء لهذا المعنى لأن الشريك قد يسمع كلام شريكه راجع الآية ٣١ من سورة الإسراء والآية ٢٩ من سورة التكوير المارتين في ج ١، وسماعهم هذا لأوامرهم ما هو لخيرهم بل لشرهم لقوله تعالى «لِيُرْدُوهُمْ» يدمروهم ويهلكوهم «وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ» يشوشوه عليهم ويخلطوا به ما ليس منه من إفكهم وما تسوله له أنفسهم، بأن يدخلوا عليهم الشك فيه لأن العرب في الأصل كانوا على دين إسماعيل عليه السلام فلبست عليهم شياطينهم أمر ذلك الدين تدريجا ولم يكن لهم كتاب يرجعون إليه فيما اندرس من أمر دينهم وبقوا كذلك يصغون لوساوسهم حتى أخرجوهم عنه وحسنوا لهم ما يلقونه إليهم من الأفعال والأقوال ووضعوا لهم هذه الأوضاع الفاسدة وزينوها لهم فتبعوها «وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ» إذ لا يقع شيء في كونه إلا بإرادته ومشيئته راجع الآيات ١٢٥، ١٠٧، ١١٢ المارات من هذه السورة، وجاءت هذه الجملة تأكيدا لمثلها في الآية ١١٢ بأن كل ما فعله المشركون وغيرهم بمشيئة الله تعالى خلافا للمعتزلة «فَذَرْهُمْ» يا سيد الرسل «وَما يَفْتَرُونَ ١٣٧» على ربك وعليك من الإفك والبهت فإن ضرر افترائهم عليهم لا يضرك منه شيء وهذه الجملة على حد قوله تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) الآية ٤٠ من سورة فصلت الآتية وفيها من التهديد ما لا يخفى، وفيها دلالة على كذبهم من نسبة هذا التحريم والتحليل والتقسيم والقتل إليه تعالى عن ذلك، ومن جملة أوضاعهم الفاسدة عدا ما تقدم ما ذكره الله بقوله «وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ» حرام لأن الحجر معناه المنع وهم يريدون أنها لا ينتفع بها،

صفحة رقم 408

لأنها مخصصة لأوثانهم فقط لقوله «لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ» من سدنة الأوثان وخدمهم الرجال منهم دون النساء «بِزَعْمِهِمْ» الفاسد بأن النساء لا يستحقون ذلك ويطلق الزعم على القول بالظن المشوب بالكذب «وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها» عن الركوب وهي البحائر والسوائب والحوامي الآتي ذكرها في الآية ١٠١ من سورة المائدة في ج ٣ «وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا»
عند الذبح اكتفاء بذكر أوثانهم ويفترون هذا وغيره «افْتِراءً عَلَيْهِ» تعالى إذ نسبوا ذلك اليه كذبا محضا تعالت حضرته المقدسة عنه «سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ ١٣٨» من تلك النسبة بهتا وعدوانا وفي هذه الآية أيضا تهديد ووعيد لا يخفى على من له لب واع وفكر سديد «وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا» أي أن نسائهم لا يجوز لهن أكلها كأنها وقف على الذكور «وَإِنْ يَكُنْ» المولود منها «مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ» نساؤهم ورجالهم يأكلون منها على السواء فاتركهم يا سيد الرسل «سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ» أي جزاء وصفهم الكذب على الله في هذا وغيره، قال تعالى (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) الآية ٦٣ من سورة النحل الآتية ونسق هذه الجملة من بديع الكلام وبليغه لأنهم يقولون وصف كلامه الكذب إذا كذب وعينه تصف السحر أي أنه ساحر وقده يصف الرشاقة بمعنى انه رشيق القامة مبالغة كأن من رآه أو سمعه وصف له ذلك بما يشرحه له قال ابو العلاء
المعري:

سرى برق العرة بعد وهن فبات برامة يصف الملالا
وهذا كله من مقتضى الحكمة «إِنَّهُ» الله تعالى «حَكِيمٌ» بما يفعل بعباده «عَلِيمٌ ١٣٩» بما يفعلون له ولغيره وهذا تعليل للوعد بالجزاء فإن للعليم الحكيم بما صدر عنهم لا يترك جزاءهم الذي هو من مقتضى الحكم واستدل بهذه الآية على أنه لا يجوز الوقف على الذكور دون الإناث وأنه إذا فعل ذلك يفسخ ولو بعد الموت لأن هذا من فعل الجاهلية وقد نهى صلّى الله عليه وسلم عن التأسي بأفعالهم أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت يعمد أحدكم إلى المال فيجعله الذكور من ولده ان هو الا كما قال الله تعالى (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) وخالصة مصدر كالعاقبة

صفحة رقم 409

وضع موضع الخالص مبالغة أو بتقدير ذو وهو شائع في كلام العرب يقولون فلان خالص أي ذو خلوص قال الشاعر:
كنت أمنيتي وكنت خالصتي... وليس كل أمر بمؤتمن
قال تعالى «قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً» لخفة عقولهم وقلة إدراكهم «بِغَيْرِ عِلْمٍ» جهلا بان الله تعالى لم يرزقهم وهو الرزاق لهم ولأولادهم والحافظ لهم جميعا وذلك من سبب الوأد وهو مخافة الفقر والسبي للبنات وهاتان الجريمتان قد تقع وقد لا تقع، فاستعجالهم على قتل أولادهم مع عدم معرفتهم العاقبة بمجرد ظنهم ووهمهم خسران لهم بازالة نعمة الولد التي هي أعظم النعم فاذا تسبب بإزالتها استوجب الذم ونقص عدده في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة وسبب نزول هذه الآية أن مضر وربيعة كانت تفعل ذلك فنعى الله عليهم قلة إخلاصهم له وعدم توكلهم عليه وكثرة جهلهم فيه وظاهر هذه الآية أنهم كانوا يقتلون الأولاد ذكرا وأنثى وعليه يكون السبب في قتلهم هو مخافة الفقر فقط أما مخافة السبي فلا يكون إلا بالإناث وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية ٥٩ من سورة النحل الآتية إن شاء الله تعالى القائل في فضح أعمالهم وتشنيع صنيعهم أيضا. «وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ» من بعض الحروث والأنعام وغيرها زاعمين ان الله الذي حرم وحلل ذلك «افْتِراءً عَلَى اللَّهِ» واختلاقا من أنفسهم «قَدْ ضَلُّوا» في هذه المناسبة واقتراف تلك الأمور عن طريق الرشد والسداد «وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ١٤٠» إلى الحق والصواب وقد ختم الله هذه الآية بلفظ الاهتداء يشير بها إلى أن الإنسان قد يضل عن الحق ولكنه يعود للاهتداء، وهؤلاء قد توغلوا في الضلال والاهتداء لم يحصل لهم قط وانهم أهل الذم لفعلهم الأمور السبعة المارة التي هي نقمة لهم لو كانوا يعقلون، فقد حرموا نعمة الولد بالقتل، ونعمة العقل بالسفاهة، ونعمة العلم بالجهل، ونعمة التحليل بالتحريم، ونعمة الصدق بالافتراء، ونعمة الرشد بالضلال، ونعمة الرجوع إلى الهدى بالإصرار على الكفر والضلال، ومن يضلل الله فماله من هاد، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام أي إلى هذه الآية، وهذه الآية

صفحة رقم 410
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية