آيات من القرآن الكريم

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١١٤ الى ١١٥]

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)
«١» «٢» [الأنعام: ٦/ ١١٤- ١١٥].
يأمر الله نبيّه أن يقول للمشركين: ليس لي أن أطلب قاضيا بيني وبينكم، لأنه لا حكم أعدل من حكم الله، ولا أصدق من قوله، فلا فائدة من طلبكم دليلا مادّيا على صدق نبوّتي، فهناك دليلان واضحان يؤيّدان رسالتي، وهما الآية الكبرى وهي القرآن المعجز الدّال بإعجازه على أنه كلام الله، واشتمال التوراة والإنجيل على ما يدل على أني رسول الله حقّا، وأن القرآن كتاب حقّ من عند الله تعالى.
وإن أنكر المشركون أحقّيّة القرآن وكذّبوا به، فإن اليهود والنّصارى أهل الكتاب يعلمون أن القرآن منزل من ربّك بالحق، بما ورد لديهم من البشارات بنبوّة خاتم الأنبياء، كما أبان الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) [البقرة: ٢/ ١٤٦].
فلا تكونن يا محمد من المتردّدين الشّاكّين، وهذا تعريض بمن يتردّد أو يشكّ، كما في آية أخرى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) [يونس: ١٠/ ٩٤]. فالواقع أن النّبي لم يشكّ وإنما
قال: «لا أشكّ ولا أسأل».
وتم كلام الله وهو القرآن، فلا يحتاج إلى إضافة شيء فيه، وأصبح كافيا وافيا بإعجازه وشموله، ودلالته على الصدق، فهو صادق فيما يقول، عدل فيما يحكم، صدقا في الإخبار عن الغيب، وعدلا في الطلب، فكل ما أخبر به فهو حق لا مرية فيه ولا شك، وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه، وكل ما نهى عنه فهو
(١) أي قاضيا بيني وبينكم.
(٢) أي من الشّاكّين المتردّدين.

صفحة رقم 597

باطل أو شرّ، فإنه لا يأمر إلا بخير، ولا ينهى إلا عن مفسدة وشرّ، كما قال الله تعالى عن نبيّه في الكتب السابقة: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ [الأعراف: ٧/ ١٥٧].
وكل ما ورد في القرآن من أمر ونهي، ووعد ووعيد، وقصص وخبر، لا تغيير فيه، ولا تبديل لكلمات الله: وهي كل ما نزّل على عباده، وهو السّميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وسكناتهم، الذي يجازي كل عامل بعمله.
وقوله تعالى: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ معناه: لا تغيير في معاني الوحي المنزل، بأن يبيّن أحد أن خبره بخلاف ما أخبر به، أو يبيّن أن أمره لا ينفذ. ومن أمثلة ذلك: أن الله منع المنافقين من الخروج إلى الجهاد بعد تخلّفهم عن غزوة تبوك، ولم يبح لهم الخروج «١»، فقال المنافقون بعد ذلك للنّبي صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين: ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ [الفتح:
٤٨/ ١٥]، فقال الله تعالى لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [الفتح: ٤٨/ ١٥]. واستقرّ التشريع على منعهم من الخروج كما قال تعالى: فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً [التّوبة: ٩/ ٨٣].
المنع من اتّباع ضلالات المشركين ومن أكل ذبائحهم
لا تلاقي بحال من الأحوال بين شرع الله المحكم والأعدل وبين أنظمة الجاهليين المشركين، فإن الله تعالى أراد الحق والخير لعباده، وحذّر من كل معالم الضّلال والشّرك، لذا أبان سبحانه الحلال والحرام، ومنع من أكل ذبائح المشركين التي لا يذكر اسم الله عليها، فإن تلك الذّبائح فسق أي معصية وخروج عن دائرة

(١) التّوبة: ٩/ ٨٣.

صفحة رقم 598
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية