آيات من القرآن الكريم

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ اللَّامُ لَامُ الْعَاقِبَةِ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا مَجَازٌ وَحَمْلُهُ عَلَى «كَيْ» حَقِيقَةٌ فَكَانَ قَوْلُنَا أَوْلَى.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ فَهُوَ أَحْسَنُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّا نَقُولُ إِنَّ قَوْلَهُ: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ الْإِيحَاءِ هُوَ التَّغْرِيرَ وَإِذَا عَطَفْنَا عَلَيْهِ قوله: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فَهَذَا أَيْضًا عَيْنُ التَّغْرِيرِ لَا مَعْنَى التَّغْرِيرِ إِلَّا أَنَّهُ يَسْتَمِيلُهُ إِلَى مَا يَكُونُ بَاطِنُهُ قَبِيحًا وَظَاهِرُهُ حَسَنًا وَقَوْلُهُ: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ عَيْنُ هَذِهِ الِاسْتِمَالَةِ فَلَوْ عَطَفْنَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْطُوفُ عَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَمَّا إِذَا قُلْنَا تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُوحِيَ/ زُخْرُفَ الْقَوْلِ لِأَجْلِ التَّغْرِيرِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا مِثْلَ هَذَا الشَّخْصِ عَدُوًّا لِلنَّبِيِّ لِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الْكُفَّارِ فَيَبْعُدُوا بِذَلِكَ السَّبَبِ عَنْ قَبُولِ دَعْوَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ فَثَبَتَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ زَعَمَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْبِنْيَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطًا لِلْحَيَاةِ فَالْحَيُّ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحَيَاةُ وَالْعَالِمُ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي قَامَ بِهِ الْعِلْمُ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْحَيُّ وَالْعَالِمُ هُوَ الْجُمْلَةُ لَا ذَلِكَ الْجُزْءُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فَجُعِلَ الْمَوْصُوفُ بِالْمَيْلِ وَالرَّغْبَةِ هُوَ الْقَلْبُ لَا جُمْلَةُ الْحَيِّ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الَّذِينَ قَالُوا الْإِنْسَانُ شَيْءٌ مُغَايِرٌ لِلْبَدَنِ اخْتَلَفُوا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُتَعَلِّقُ الْأَوَّلُ هُوَ الْقَلْبُ وَبِوَاسِطَتِهِ تَتَعَلَّقُ النَّفْسُ بِسَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَالدِّمَاغِ وَالْكَبِدِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَلْبُ مُتَعَلِّقُ النَّفْسِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالدِّمَاغُ مُتَعَلِّقُ النَّفْسِ الناطقة والكبد مُتَعَلِّقُ النَّفْسِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْأَوَّلُونَ تَعَلَّقُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مَحَلَّ الصَّغْوِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَيْلِ وَالْإِرَادَةِ الْقَلْبَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالنَّفْسِ الْقَلْبُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الكناية في قوله: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ [الانعام: ١١٣] عَائِدَةٌ إِلَى زُخْرُفِ الْقَوْلِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَلِيَرْضَوْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ فَاعْلَمْ أَنَّ الِاقْتِرَافَ هُوَ الِاكْتِسَابُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ الِاعْتِرَافُ يُزِيلُ الِاقْتِرَافَ كَمَا يُقَالُ التَّوْبَةُ تَمْحُو الْحَوْبَةَ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِيَقْتَرِفُوا أَيْ لِيَخْتَلِفُوا وليكذبوا والاول أصح.
[سورة الأنعام (٦) : آية ١١٤]
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤)
فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِهَا أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إِظْهَارِ تِلْكَ الْآيَاتِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَظْهَرَهَا لَبَقَوْا مُصِرِّينَ عَلَى كُفْرِهِمْ ثُمَّ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى نُبُوَّتِهِ قَدْ حَصَلَ وَكَمُلَ فَكَانَ مَا يَطْلُبُونَهُ طَلَبًا لِلزِّيَادَةِ وَذَلِكَ مِمَّا

صفحة رقم 123
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية