
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً ﴾؛ وذلك أن نَفَراً من أهلِ مكَّةَ قالوا: يَا مُحَمَّدُ؛ اجْعَلْ بينَنا وبينكَ حَكَماً من اليهودِ والنَّصارى، فإنَّهم قرأوا الكُتُبَ قبلكَ. فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ. ومعناها: قُلْ لَهم يَا مُحَمَّدُ: أفَغَيْرَ اللهِ أطلبُ رَبّاً ومعبوداً يُسَاوِي حُكْمُهُ حُكْمَ اللهِ؛ فأجعلهُ حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أنزلََ إلَيْكُمْ القرآن مُفَصَّلاً مبيَّناً أمرَهُ ونَهْيَهُ بلغةٍ تَعرفونَها. ويقالُ: مُتَفَرِّقاً سورةً سورةً؛ وآية آيةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾؛ أي التَّوْرَاةَ؛ هم عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمٍ وأصحابُه؛ ﴿ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ﴾؛ أي الْقُرْآنُ؛ ﴿ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ ﴾؛ بما تقدَّم لَهم من البشَارَةِ في كُتُبهِمْ بأنَّ الله يبعثُ في آخِرِ الزمانِ نَبِيّاً من ولْدِ إسماعيلَ، ويُنَزِّلُ عليه الْقُرْآنَ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾؛ أي بمَا أقام لَهم من البراهينِ على ذلك. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ ﴾؛ أي لا تَكُونَنَّ يا مُحَمَّدُ من الشَّاكِّيْنَ في أنَّهم يعلمونَ ذلك. ويقالُ: هذا خطابٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والمرادُ به غيرُه، كأنه قال: لا تَكُونَنَّ أيها الجاهلُ بأَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من الشَّاكِّينَ في أمرهِ. وقرأ الحسنُ والأعمش وابنُ عامرٍ وحفصُ: (مُنْزَّلٌ) بالتشديدِ من التَّنْزِيْلِ؛ لأنه أنْزِلَ نُجُوماً مرَّةً بعد مرَّةٍ، وقرأ الباقونَ بالتخفيفِ من الإنْزَالِ.
صفحة رقم 818