آيات من القرآن الكريم

اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ

المصلحة المترتبة على الفعل. وأما تفسيره بالباعث الذي لولاه لم يقدم الفاعل على الفعل، أو عدم اشتراط ذلك، فهو من تحقيقات المتكلمين، لا تعلق له باللغة. وأما عند أهل اللغة فهو حقيقة في ذلك مطلقا، والفرق بينها وبين لام العاقبة، أن لام العاقبة ما تدخل على ما يترتب على الفعل وليس مصلحة. وهل يشترط فيها أن يظنه المتكلم غير مترتب أم لا، حتى يكون في كلامه تعالى من غير حكاية أم لا، فيه خلاف- كذا في (العناية) -.
ولما حكى تعالى عن المشركين قدحهم في تصريف الآيات، أتبعه بالأمر بالثبات على ما هو عليه، تقوية لقلبه، وإزالة لما يحزنه، فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٦]
اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦)
اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي: من تبليغ الرسالة، التي هي الآيات المصرفة، مبالغة في إلزام الحجة. وقوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اعتراض أكد به إيجاب الاتباع، أو حال مؤكدة من رَبِّكَ، بمعنى: منفردا في الألوهية. وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ قال أبو مسلم: أريد بالإعراض الهجران لهم دون الإنذار، وترك الموعظة.
وقال المهايميّ: أي لا تحزن عليهم إذا أصروا على الشرك والعمى مع هذه البصائر.
فإنه تعالى أراد بقاءهم على الشرك والعمى، لاقتضاء استعدادهم ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنعام (٦) : آية ١٠٧]
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧)
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا أي: مع استعدادهم، ولكن جرت سنته برعاية الاستعدادات، وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي: هم وإن كان لهم الاستعداد للإيمان في فطرتهم، وقد أبطلوه، فأنت وإن كنت داعيا إلى إصلاح الاستعداد الفطريّ، وما جعلناك متوليا عليهم، تحفظ مصالحهم، حتى تكون مصلحا لاستعدادهم الفطري.
وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ تدبر عليهم أمورهم، أو تغيرهم من استعدادهم إلى آخر، بل هو مفوض إلى الله تعالى، يفعل بهم بمقتضى استعدادهم الطبيعيّ لهم من غير تغيير له، بل هو مفوّض إلى اختيارهم- أفاده المهايمي-.
تنبيهان:
الأول- في قوله تعالى وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا دليل على أنه تعالى لا يريد

صفحة رقم 461

إيمان الكافر، لكن لا بمعنى أنه تعالى يمنعه عنه، مع توجهه إليه، بل بمعنى أنه تعالى لا يريده منه، لعدم صرف اختياره الجزئي نحو الإيمان، وإصراره على الكفر.
والزمخشريّ يفسره بمشيئة إكراه وقسر، لأن عندهم مشيئة الاختيار حاصلة البتة.
قال النحرير: وهذه عكازته في دفع مذهب أهل السنة.
الثاني- قال القاشاني في تفسير قوله تعالى وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا: أي كل ما يقع، فإنما يقع بمشيئة الله، ولا شك أن استعداداتهم التي وقعوا بها في الشرك، وأسباب ذلك، من تعليم الآباء والعادات وغيرها، أيضا واقعة بإرادة من الله، وإلا لم تقع. فإن آمنوا بذلك فبهداية الله، وإلا فهوّن على نفسك، فما جعلناك تحفظهم عن الضلال، وما أنت بموكل عليهم بالإيمان. ولا ينافي هذا ما قال في تعييرهم فيما بعد بقوله: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا لأنهم قالوا ذلك عنادا ودفعا للإيمان بذلك التعلل، لا اعتقادا. فقولهم ذلك، وإن كان صدقا في نفس الأمر، لكنهم كانوا به كاذبين، مكذبين للرسول، إذ لو صدقوا لعلموا أن توحيد المؤمنين أيضا بإرادة الله، وكذا كل دين، فلم يعادوا أحد. ولو علموا أن كل شيء لا يقع إلا بإرادة الله لما بقوا مشركين، بل كانوا موحدين. لكنهم قالوه لغرض التكذيب والعناد، وإثبات أنه لا يمكنهم الانتهاء عن شركهم، فلذلك عيّرهم به، لا لأنه ليس كذلك في نفس الأمر. فإنهم لم يطلعوا على مشيئة الله، وأنه كما أراد شركهم في الزمان السابق، لم يرد إيمانهم الآن، إذ ليس كل منهم مطبوع القلب، بدليل إيمان من آمن منهم، فلم لا يجوز أن يكون بعضهم كانوا مستعدين للإيمان والتوحيد، واحتجوا بالعادة، وما وجدوا من آبائهم فأشركوا، ثم إذا سمعوا الإنذار، وشاهدوا آيات التوحيد، اشتاقوا إلى الحق، وارتفع حجابهم فوحّدوا. فلذلك وبخهم على قولهم، وطلب منهم الحجة على أن الله أرادهم بذلك دائما، وأنذرهم بوعيد من كان قبلهم، لعل من كان فيه أدنى استعداد، إذا انقطع عن حجته، وسمع وعيد من قبله من المنكرين، ارتفع حجابه، ولان قلبه فآمن، ويكون ذلك توفيقا له، ولطفا في شأنه، فإن عالم الحكمة يبتني على الأسباب. وأما من كان من الأشقياء المردودين، المختوم على قلوبهم، فلا يرفع لذلك رأسا، ولا يلقي إليه سمعا. انتهى.
وليكن هذا على بال منك، فالمقام دقيق جدّا، وسيأتي بيانه في الآية الآتية إن شاء الله تعالى.

صفحة رقم 462
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية