آيات من القرآن الكريم

اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ

ومن اتصف بهذه الصفات فهو المستحق للعبادة، لذا أمر الله بعبادته وحده لا شريك له.
وأما رؤية النّبي صلّى الله عليه وسلّم لربه في ليلة الإسراء في الدنيا فالصحيح أنها لم تحصل بالعين المجردة، وإنما رآه بقلبه ورأى جبريل على حقيقته. وعن ابن عباس أنه رآه بعينيه، وحجته قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم ٥٣/ ١١].
مبصّرات الوحي وقدرة الله على منع الشرك
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٧]
قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧)
الإعراب:
وَلِيَقُولُوا: دَرَسْتَ معطوف على فعل مقدر، والتقدير: نصرف الآيات ليجحدوا وليقولوا، أي ليصير عاقبة أمرهم إلى الجحود وإلى أن يقولوا هذا القول. وهذه اللام تسمى لام العاقبة عند البصريين، ولا الصيرورة عند الكوفيين، مثل اللام في قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص ٢٨/ ٨] وما التقطوه ليكون لهم عدوا، وإنما التقطوه ليكون لهم قرة عين، ولكن صارت عاقبة التقاطهم إياه إلى العداوة والحزن.
البلاغة:
بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ مجاز مرسل وعلاقته المسببية أي من باب تسمية المسبب باسم السبب، والمراد بالبصائر: الحجج والبراهين التي تبصرون بها الحقائق.

صفحة رقم 318

أَبْصَرَ.. وعَمِيَ بينهما طباق.
بَصائِرُ وأَبْصَرَ بينهما جناس الاشتقاق.
المفردات اللغوية:
بَصائِرُ أي حجج بيّنات وآيات واضحات، وتطلق البصيرة على عدة معان: عقيدة القلب، والمعرفة الثابتة يقينا، والعبرة، والقوة التي تدرك بها الحقائق العلمية، ويقابلها البصر الذي تدرك به الأشياء الحسية فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ أي فمن أدركها فآمن فثواب إبصاره له بِحَفِيظٍ رقيب لأعمالكم، إنما أنا نذير.
وَكَذلِكَ كما بينا ما ذكر نُصَرِّفُ الْآياتِ نبينها ونأتي بها على وجوه مختلفة بما يناسب المقام، ليعتبروا وَلِيَقُولُوا أي الكفار في عاقبة الأمر، فإن اللام لام العاقبة أو الصيرورة دَرَسْتَ قرأت كثيرا حتى حفظته، أو درست كتب الماضين وجئت بهذا منها، وفي الحديث:
«كان يدارسه القرآن» يذاكره له حتى يحفظه، وفي المدارسة معنى التذليل بكثرة القراءة.
حَفِيظاً رقيبا فتجازيهم بأعمالهم وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ موكّل مفوض في أمرهم، فتجبرهم على الإيمان.
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى الأدلة على توحيده وكمال قدرته وعلمه، عاد إلى تقرير أمر الدعوة الإسلامية والرسالة وتبليغ النّبي صلّى الله عليه وسلّم وحي ربه.
التفسير والبيان:
قد جاءكم أيها الناس البصائر: وهي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن وما جاء به الرسول من البراهين العقلية والنقلية التي تثبت لكم العقيدة الحقة، وتبين منهاج الحياة الأقوم، ودستور النظام العام للجماعة، وأصول الأخلاق والآداب.
فمن أبصر الحق فآمن فلنفسه، ومن عمي عن الحق وضل وأعرض عن سبيله، فعلى نفسه جنى، كقوله تعالى: فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ

صفحة رقم 319

فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها
[يونس ١٠/ ١٠٨] وقوله: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت ٤١/ ٤٦].
ومعنى قوله: وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها أي إنما يعود وبالله عليه، كقوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج ٢٢/ ٤٦].
وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أي لست عليكم بحافظ ولا رقيب، بل إنما أنا مبلّغ ومنذر، والله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.
وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ أي وكما فصلنا الآيات في هذه السورة من بيان لتوحيد وأنه لا إله إلا هو، هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن، لجهالة الجاهلين، وليؤول الأمر بأن يقول المشركون والكافرون المكذبون:
درست هذا وقرأته على غيرك، أو دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب، وتعلمت منهم، وليس وحيا من عند الله.
أي إن تصريف الآيات وتقليبها على وجوه مختلفة بحسب المقامات يستهدف:
١- أن يهتدي بها المستعدون للإيمان.
٢- وأن يقول الجاحدون المعاندون: إنما درست هذا وقرأته على غيرك، وليس هذا بوحي كما تزعم، وزعموا أنه تعلم من غلام رومي حداد أعجمي وليس بعربي، كان يصنع السيوف بمكة، اسمه «قيس» كما حكى تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل ١٦/ ١٠٣].
٣- وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أي ولنوضحه لقوم يعلمون الحق، فيتبعونه، والباطل فيجتنبونه، فالبيان إنما يفيد أهل العلم المدركين الذين يستخدمون بصائرهم في مدلولات القرآن، فهم الذين يتبين لهم بالتأمل حقيقة القرآن ودلائله. أما الجاهلون الذين لم يفهموا آيات القرآن، فلا ينتفعون به.

صفحة رقم 320

ثم يأمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومن اتبع طريقته باتباع الوحي وتجنب المشركين بقوله: اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي اقتد به واقتف أثره واعمل به، فإن ما أوحي إليك من ربك هو الحق الذي لا مرية فيه لأنه لا إله إلا هو، واعف عن المشركين واصفح عنهم، واحتمل أذاهم واصبر عليهم حتى يفتح الله لك، وينصرك عليهم.
ولو شاء الله ما أشرك المشركون، بل له المشيئة والحكمة فيما يشاؤه ويختاره، لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، له الحكمة في بقائهم في الضلال، ولو شاء لهدى الناس جميعا، بأن يخلقهم مستعدين للإيمان، لكنه خلقهم مستعدين للكفر، وترك لهم حرية الاختيار في أعمالهم.
وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي وما جعلناك حافظا تحفظ أقوالهم وأعمالهم، وما أنت بموكل على أرزاقهم وأمورهم والتصرف في قضاياهم.
أي لست عليهم بمسيطر، وليس لك صفة الملوك القاهرين، بل أنت بشير ونذير، والله يجازيهم ويحاسبهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
آي القرآن المتقدمة حجج بيّنة ظاهرة تدل على صدق الرسالة ونبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومهمته التبليغ والإنذار، لا القسر والقهر والإكراه، ولا الرقابة على أعمال الناس، فمن أبصر الحق وآمن بدعوة الإسلام والقرآن فلنفسه أبصر، وإياها نفع، ومن عمي عنه فعلى نفسه الوبال وإياها ضر.
ومن فضله تعالى أنه كما صرف الآيات في الوعد والوعيد والوعظ والتنبيه في هذه السورة، يصرف في غيرها على وجوه مختلفة للإقناع والعبرة والعظة، ولإلزام المشركين بالحجة وليقولوا: درست، أي وليصير قولهم: «درست»

صفحة رقم 321
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية