
الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (١٠٧)
شرح الكلمات:
بصائر من ربكم: البصائر جمع بصيرة: والمراد بها هنا الآيات المعرفة بالحق المثبتة له بطريق الحجج العقلية فهي في قوة العين المبصرة لصاحبها.
حفيظ: وكيل مسئول.
نصرف الآيات: نجريها في مجاري مختلفة تبياناً للحق وتوضيحاً للهدى المطلوب.
وليقولوا درست: أي تعلمت وقرأت لا وحياً أوحي إليك.
وأعرض عن المشركين: أي لا تلتفت إليهم وامضِ في طريق دعوتك.
ولو شاء الله ما أشركوا: أي لو شاء أن يحول بينهم وبين الشرك حتى لا يشركوا لَفَعَل وما أشركوا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في طلب هداية المشركين وبيان الطريق لهم ففي هذه الآية يقول ﴿قد جاءكم﴾ أي أيها الناس ﴿بصائر من١ ربكم﴾ وهي آيات القرآن الموضحة لطريق النجاة ﴿فمن أبصر﴾ بها وهي كالعين المبصرة ﴿فلنفسه﴾ إبصاره إذ هو الذي ينجو ويسعد ﴿ومن عمي﴾ فلم يبصر فعلى نفسه عماه إذ هي التي تهلك وتشقى وقل لهم يا رسولنا ﴿ما أنا عليكم بحفيظ﴾ أي بوكيل مسئول عن هدايتكم، وفي الآية الثانية (١٠٥) يقول تعالى: ﴿وكذلك٢ نصرف الآيات﴾ أي بنحو ما صرفناها من قبل في هذا القرآن نصرفها كذلك لهداية مريدي الهداية والراغبين٣ فيها أما غيرهم فسيقولون درست٤ وتعلمت من غيرك حتى يحرموا الإيمان
٢ كذلك الكاف في محل نصب أي مثل أي نصرف الآيات: مثل ذلك التصريف.
٣ وهم المذكورون في الآية ولنبيننه لقوم يعلمون.
٤ قرىء دَارست أي ذاكرت أهل الكتاب وتعلمت عنهم ولم يوح إليك شيء واللام في قوله وليقولوا درست هي لام العاقبة كما يقال كتب فلان هذا الكتاب لحتفه، وفي القرآن ﴿فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا﴾.

بك وبرسالتك والعياذ بالله تعالى، وفي الآية الثالثة (١٠٦) يأمر الله تعالى رسوله باتباع ما يوحى إليه من الحق والهدى، والإعراض عن المشركين المعاندين الذين يقولون درست حتى لا يأخذوا بما آتيتهم به ودعوتهم إليه من آيات القرآن الكريم إذ قال تعالى له: ﴿اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين١﴾، وفي الآية الرابعة (١٠٧) يسلي الرب تعالى رسوله ويخفف عنه آلام إعراض المشركين عن دعوته ومحاربته فيها فيقول له: ﴿ولو شاء الله ما أشركوا﴾ ٢ أي لو يشاء الله عدم إشراكهم لما قدروا على أن يشركوا إذا فلا تحزن عليهم، هذا أولاً، وثانياً ﴿وما جعلناك عليهم حفيظاً﴾ تراقبهم وتحصي عليهم أعمالهم وتجازيهم بها، وما أرسلناك عليهم وكيلا تتولى هدايتهم بما فوق طاقتك ﴿إن عليك إلا البلاغ﴾ وقد بلغت إذاً فلا أسى ولا أسف!!
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- آيات القرآن بصائر من يأخذ بها يبصر طريق الرشاد وينجو ويسعد.
٢- ينتفع بتصريف الآيات وما تحمله من هدايات العالمون لا الجاهلون وذلك لقوله تعالى في الآية الثانية (١٠٥) ﴿ولنبينه لقوم يعلمون﴾.
٣- بيان الحكمة في تصريف الآيات وهي هداية من شاء الله هدايته.
٤- وجوب اتباع الوحي المتمثل في الكتاب والسنة النبوية.
٥- بيان بطلان مذهب القدرية "نفاة القدر".
وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (١٠٨) وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ
٢ في الآية دليل على إبطال مذهب القدرية وهم نفاة القدر والزاعمون أن أفعال العباد لم تقدر عليهم وإنما هم الخالقون لهَا بدون إذن الله وإرادته.