آيات من القرآن الكريم

اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ

فأما ما جاء من الأخبار فى الرؤية وصح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فغير مدفوع، وليس فى الآية دليل على دفعها، لأن معنى هذه الآية إدراك الشّيء والإحاطة بحقيقته، وهذا مذهب أهل السنة والعلم بالحديث اهـ.
(وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) أي وهو اللطيف بذاته بحيث تخسأ الأبصار دون إدراك حقيقته، الخبير بدقائق الأشياء ولطائفها، فلا يعزب عن إدراكه شىء.
والخلاصة- إنه يلطف عن أن تدركه الأبصار، ولكنه خبير بكل لطيف وهو يدرك الأبصار. ولا تدركه الأبصار.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٧]
قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧)
تفسير المفردات
البصائر واحدها بصيرة، ولها عدة معان: منها عقيدة القلب، والمعرفة الثابتة باليقين، والعبرة، والشاهد المثبت للأمر، والحجة، والقوة التي تدرك بها الحقائق العلمية، ويقابلها البصر الذي تدرك به الأشياء الحسية، والمراد بها هنا الآيات الواردة فى هذه السورة أو القرآن بجملته، نصرف الآيات أي نأتى بها متواترة حالا بعد حال مفسرين لها فى كل مقام بما يناسبه، ودرس الشيء يدرس: إذا عفا وزال فهو دارس ودرسته الريح وغيرها، ودرس اللابس الثوب درسا: أخلقه وأبلاه فهو دريس، ودرسوا القمح: داسوه ليتكسر فيفرق بين حبه وتبنه، ودرس الناقة: راضها، ودرس

صفحة رقم 208

الكتاب والعلم يدرسه درسا ودراسة ومدارسة أي ذلله بكثرة القراءة حتى خف حفظه عليه من ذلك، والمعنى العام للدرس تكرار المعالجة، وتتابع الفعل على الشيء حتى يذهب به أو يضل إلى الغاية منه.
المعنى الجملي
بعد أن أقام الأدلة والبراهين الواضحة على توحيده وكمال قدرته وعلمه- عاد هنا إلى تقرير أمر الدعوة والرسالة، وتبليغ النبي صلّى الله عليه وسلم أوامر ربه، ومدى تلك الأوامر من الهداية والإرشاد، وما يقوله المشركون فى المبلّغ لها، وأعلم سبحانه سنته فيهم وفى أمثالهم، وما يجب على الرسول معهم وما ينفى عنه.
الإيضاح
(قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قد جاءكم فى هذه الآيات البينات بصائر من الحجج الكونية والبراهين العقلية، تثبت لكم عقائد الحق اليقينية التي عليها مدار سعادتكم فى دنياكم وآخرتكم، تفضل بها عليكم ربكم الذي خلقكم وسواكم، وربّى أجسادكم، وأكمل مشاعركم وقواكم، كما ربى أرواحكم، وهذّب نفوسكم، ومحّص بها عقولكم، حتى تصل إلى منتهى ما تسمو إليه النفوس البشرية من الكمال.
(فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) أي فمن أبصر بها الحق وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، فلنفسه قدم الخير وبلغ السعادة.
(وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) أي ومن عمى عن الحق وأعرض عن سبيله، وأصرّ على ضلاله، تقليدا لآبائه وأجداده، فعلى نفسه جنى.
ونحو الآية قوله: «مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها» وقوله: «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» وقوله: «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها».

صفحة رقم 209

(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي وما أنا عليكم برقيب أحصى عليكم أعمالكم وأفعالكم وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والله هو الحفيظ عليكم، ولا يخفى عليه شىء من أعمالكم، فهو يعلم ما تسرّون وما تعلنون، ويجزيكم عليه بما تستحقون، فعليه وحده الحساب، وما علىّ إلا البلاغ.
(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي ومثل ذلك التصريف البديع نصرّف الآيات فى سائر القرآن لإثبات أصول الإيمان وتهذيب النفوس والأخلاق، فنحوّلها من حال إلى حال، مراعين فى ذلك تفاوت العقول والأفهام واختلاف استعداد الأفراد والجماعات.
(وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) أي إن لتصريف الآيات فوائد شتى منها: (١) أن يهتدى بها المستعدون للإيمان على اختلاف العقول والأفهام: (٢) أن يقول الجاحدون المعاندون من المشركين قد درست من قبل وتعلّمت، وليس هذا بوحي منزل كما زعمت، وقد قالوا هذا إفكا وزورا فزعموا أنه تعلم من غلام رومى كان يصنع السيوف بمكة وكان يختلف إليه كثيرا، وذلك ما عناه سبحانه بقوله: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ».
(وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣) وأن نبين هذا القرآن المشتمل على تصريف الآيات الذي يقول فيه الجاحدون إنه أثر درس واجتهاد لقوم لديهم الاستعداد للعلم بما تدل عليه الآيات من الحقائق، وما يترتب على الاهتداء بها من السعادة دون أن يكون لديهم معارض من تقليد أو عناد.
والخلاصة- إن الذين يقولون للرسول: إنك درست هم الجاهلون الذين لم يفهموا تلك الآيات التي صرفها الله على ضروب مختلفة، ولم يفقهوا سرها، وما يجب من إيثارها على منافع الدنيا.
وأما الذين يعملون مدلولاتها، وحسن عاقبة الاهتداء بها، فهم الذين يتبين لهم بتأملها حقيقة القرآن وما اشتمل عليه من حسن التصرف المؤيد بالحجة والبرهان.

صفحة رقم 210

وبعد أن بين سبحانه لرسوله أن الناس فى شأن القرآن فريقان، فريق فسدت فطرتهم ولم يبق لديهم استعداد لهديه، ولا للعلم بما فيه من تصريف الآيات، ومن ثم كان نصيبهم منه الجحود والإنكار، وفريق آخر اهتدى به وعمل بما فيه- أمره أن يتبع ما أوحى إليه من ربه بالبيان له والعمل به فقال:
(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أي اتبع ما أوحى إليك لتربى نفسك وتكون إماما لأبناء جنسك، فإن الاقتداء لا يتم إلا بمن يعمل، بما يعمله، ويأتمر بما يأمر ثم قرن ذلك باعتقاد توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، فالخالق المرّبى للأشباح بما أنزل من الرزق، وللأرواح بما أنزل من الوحى هو المعبود الواحد الذي لا شريك له المجازى على الأعمال، التي لا تقبل شفاعة ولا فداء.
ثم أمره بعدئذ بالإعراض عن المشركين بألا يبالى بإصرارهم على الشرك، ولا بمثل قولهم درست، لأن الحق يعلو متى ظهر بالقول والعمل مع الإخلاص، ولا يضره الباطل بتزيينه بزخارف الأقوال ولا بالانكباب على خرافات الأعمال ثم هوّن عليه أمر الإعراض عنهم فقال:
(وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا) أي ولو شاء الله ألا يشركوا لما أشركوا بأن يخلق البشر مؤمنين طائعين بالفطرة كالملائكة، لكنه خلقهم مستعدين للإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والطاعة والفسق، ومضت سنته بأن يكونوا مختارين فى أعمالهم وفى كسبهم لعلومهم وأعمالهم، وجعل منها الخير والشر، وإن كانت غرائزهم وفطرهم كلها خيرا.
(وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي وما جعلناك عليهم حفيظا تحفظ عليهم أعمالهم لتحاسبهم عليها وتجازيهم بها، ولا وكيلا تتولى أمورهم وتتصرف فيها.

صفحة رقم 211
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية