آيات من القرآن الكريم

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ

وَقَرِينَةُ ذَلِكَ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَهُوَ تَتْمِيمٌ لِنَوْعَيِ التَّشْرِيعِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ جَامِعَةٌ لِلْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ مَا يَصْدُرُ من النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَيَنْدَرِجُ فِيهَا جَمِيعُ أَدِلَّةِ السُّنَّةِ.
وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ»
.. الْحَدِيثُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ
يَعْقُوبَ فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَقَالَ لَهَا: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأَتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.
وَعُطِفَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ تَحْذِيرٌ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ على لِسَان رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَطَفَ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى عَلَى الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ بِالْأَوَامِرِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى هِيَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابُ النَّهْيِ.
وَالْمَعْنَى: وَاتَّقُوا عِقَابَ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، أَيْ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ واقتحم نَهْيه.
[٨]
[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ٨]
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)
بَدَلٌ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَصْنَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي دخلت عَلَيْهَا الْكَلَام مُبَاشَرَةً وَعَطْفًا قَوْلُهُ: وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الْحَشْر: ٧] بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ.
وَأَوَّلُ فَائِدَةٍ فِي هَذَا الْبَدَلِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْمَعْنِيَّةِ فِي الْآيَةِ لَا يَجْرِي قَسْمُهُ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ قَسْمُ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ الَّتِي اقْتَصَرَ فِي قَسْمِهَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَرَابِعٍ مِنْهُمْ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ لَا مُطْلَقًا، يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَالَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَهُمْ.

صفحة رقم 87

وَأُعِيدَ اللَّامُ مَعَ الْبَدَلِ لِرَبْطِهِ بِالْمُبْدَلِ مِنْهُ لِانْفِصَالِ مَا بَيْنَهُمَا بِطُولِ الْكَلَامِ مِنْ تَعْلِيلٍ وَتَذْيِيلٍ وَتَحْذِيرٍ. ولإفادة التَّأْكِيد.
وَكَثِيرًا مَا يقْتَرن الْبَدَل بِمثل الْعَامِلُ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [١١٤]. فَبَقَى احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا لِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الْحَشْر: ٧]، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لِلْفُقَراءِ إِلَى آخِرِهِ مَسُوقًا لِتَقْيِيدِ اسْتِحْقَاقِ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ وَشَأْنُ الْقُيُودِ الْوَارِدَةِ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهَا، فَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يُشْتَرَطَ الْفَقْرُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ
الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّ مُطْلَقَهَا قَدْ قُيِّدَ بِقَيْدٍ عَقِبَ إِطْلَاقٍ، وَالْكَلَامُ بِأَوَاخِرِهِ فَلَيْسَ يجْرِي هُنَا الِاخْتِلَافُ فِي حَمْلِ الْمُطَلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَلَا تجْرِي الصُّور الْأَرْبَع فِي حَمْلِ الْمُطَلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنَ اتِّحَادِ حُكْمِهِمَا وَجِنْسِهِمَا. وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعْطَى ذَوُو الْقُرْبَى إِلَّا إِذَا كَانُوا فَقُرَاءَ لِأَنَّهُ عِوَضٌ لَهُمْ عَمَّا حُرِمُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: يُشْتَرَطُ الْفَقْرُ فِيمَا عَدَا ذَوِي الْقُرْبَى لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ لِأَجْلِ الْقَرَابَة للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: أَغْلَظَ الشَّافِعِيُّ الرَّدَّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْقَرَابَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَاجَةَ، فَاشْتِرَاطُهَا وَعَدَمُ اعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ يُضَارُّهُ وَيُحَادُّهُ.
قُلْتُ: هَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ وَصْفَ الْيَتَامَى وَوَصْفَ ابْنِ السَّبِيلِ وَلَمْ يَشْتَرَطِ الْحَاجَةَ.
وَاعْتَذَرَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِلْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الصَّدَقَاتِ لَمَّا حُرِّمَتْ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى كَانَتْ فَائِدَةُ ذَكْرِهِمْ فِي خُمْسِ الْفَيْءِ وَالْمَغَانِمِ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ صَرْفُهُ إِلَيْهِمِ امْتِنَاعَ صَرْفِ الصَّدَقَاتِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَغْتَرَّ بِالِاعْتِذَارِ فَإِنَّ الْآيَةَ نَصٌّ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ تَشْرِيفًا لَهُمْ فَمَنْ عَلَّلَهُ بِالْحَاجَةِ فَوَّتَ هَذَا الْمَعْنَى اه.
وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ تَجِدُ أَنَّ هَذَا الرَّدَّ مَدْخُولٌ، وَالْبَحْثَ فِيهِ يَطُولُ. وَمَحَلُّهُ مَسَائِلُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ.
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلَ جُمْلَةَ لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ ابْتِدَائِيَّةً عَلَى حَذْفِ

صفحة رقم 88
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية