آيات من القرآن الكريم

هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

وَقَوْلِهِ: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ [القصص: ١٩].
أَمَّا قَوْلُهُ: الْمُتَكَبِّرُ فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الَّذِي تَكَبَّرَ بِرُبُوبِيَّتِهِ فَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ وَثَانِيهَا: قَالَ قَتَادَةُ: الْمُتَعَظِّمُ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَثَالِثُهَا: قَالَ الزَّجَّاجُ: الَّذِي تَعَظَّمَ عَنْ ظلم العباد ورابعها: قال ابن الأنباري:
المتكبرة ذُو الْكِبْرِيَاءِ، وَالْكِبْرِيَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْمُلْكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ [يُونُسَ: ٧٨]، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَكَبِّرَ فِي حَقِّ الْخَلْقِ اسْمُ ذَمٍّ، لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الْكِبْرَ، وَذَلِكَ نَقْصٌ فِي حَقِّ الْخَلْقِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ كِبْرٌ وَلَا عُلُوٌّ، بَلْ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا الْحَقَارَةُ وَالذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، فَإِذَا أَظْهَرَ الْعُلُوَّ كَانَ كَاذِبًا، فَكَانَ ذَلِكَ مَذْمُومًا فِي حَقِّهِ أَمَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ فَلَهُ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ وَالْكِبْرِيَاءِ، فَإِذَا أَظْهَرَهُ فَقَدْ أَرْشَدَ الْعِبَادَ إِلَى تَعْرِيفِ جَلَالِهِ وَعُلُوِّهِ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْمَدْحِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَلِهَذَا السَّبَبِ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الِاسْمَ:
قَالَ: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّ الْمَخْلُوقِينَ قَدْ يَتَكَبَّرُونَ وَيَدَّعُونَ مُشَارَكَةَ اللَّه فِي هذا الوصف لكنه سبحانه منزله عَنِ التَّكَبُّرِ الَّذِي هُوَ حَاصِلٌ لِلْخَلْقِ لِأَنَّهُمْ نَاقِصُونَ بِحَسَبِ ذَوَاتِهِمْ، فَادِّعَاؤُهُمُ الْكِبْرَ يَكُونُ ضَمَّ نُقْصَانِ الْكَذِبِ إِلَى النُّقْصَانِ الذَّاتِيِّ، أَمَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ فَلَهُ الْعُلُوُّ وَالْعِزَّةُ، فَإِذَا أَظْهَرَهُ كَانَ ذَلِكَ ضَمَّ كَمَالٍ إِلَى كَمَالٍ، فَسُبْحَانَ اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ الْمُتَكَبِّرِيَّةِ لِلْخَلْقِ.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٢٤]
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)
ثُمَّ قَالَ: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ وَالْخَلْقُ هُوَ التَّقْدِيرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُقَدِّرُ أَفْعَالَهُ عَلَى وُجُوهٍ مَخْصُوصَةٍ، فَالْخَالِقِيَّةُ رَاجِعَةٌ إِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ.
ثُمَّ قَالَ: الْبارِئُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا: صَانِعٌ وَمُوجِدٌ إِلَّا أَنَّهُ يُفِيدُ اخْتِرَاعَ الْأَجْسَامِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي الْخَلْقِ: بَرِيَّةٌ وَلَا يُقَالُ فِي الْأَعْرَاضِ الَّتِي هِيَ كَاللَّوْنِ وَالطَّعْمِ.
وَأَمَّا الْمُصَوِّرُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَخْلُقُ صُوَرَ الْخَلْقِ عَلَى مَا يُرِيدُ، وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْخَالِقِ عَلَى الْبَارِئِ، / لِأَنَّ تَرْجِيحَ الْإِرَادَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ وَقَدَّمَ الْبَارِئَ عَلَى الْمُصَوِّرِ، لِأَنَّ إِيجَادَ الذَّوَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى إِيجَادِ الصِّفَاتِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الأعراف: ١٨٠].
أَمَّا قَوْلُهُ: يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَدِيدِ واللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وسلم تسليما كثيرا.

صفحة رقم 514
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية