آيات من القرآن الكريم

هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

قوله تعالى:
«فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ»..
تلك هى عاقبة الشيطان وصاحبه.. لقد هلك الشيطان، وهلك معه من استجاب له.. وتلك هى عاقبة المنافقين، وإخوانهم من اليهود.. إنهم جميعا إلى النار خالدين فيها.. وذلك جزاء الظالمين.. لا جزاء لهم إلا جهنم وبئس المصير..
الآيات: (١٨- ٢٤) [سورة الحشر (٥٩) : الآيات ١٨ الى ٢٤]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)

صفحة رقم 876

التفسير:
قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»..
تجىء هذه الآية بعد ما عرضت الآيات السابقة موقف جماعات المنافقين واليهود، من النبي والمسلمين، وكيف ينتهى بهم هذا الموقف إلى خسران الدنيا والآخرة جميعا- فتحمل الآية إلى المؤمنين دعوة مجددة إلى تقوى الله، وإلى إخلاص العبودية له وحده، وإلى أن يخلى المؤمن نفسه من كل واردة من واردات النفاق، الذي إن تمكن من صاحبه قتله شر قتله، وصار به إلى أسوأ مصير.. وذلك يكون بأن ينظر المؤمن فى أعماله، وما يقدمه لغده من خير يجده عند الله، وألا يكون حاضره، وعاجل أمره، هو الذي يحكم أعماله، ويوجه تصرفاته، كما هو الشأن عند المنافقين والضالين، والكافرين.
وتقوى الله، هى خوفه، واتقاء محارمه..
وفى قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ» دعوة عامة إلى تقوى الله ومخافته، وملء النفس خشية من بأسه، ونقمته..
ومن تقوى الله، محاسبة المرء نفسه، ومراجعتها، فى نوازعها ورغباتها.. وأن هذه المحاسبة، وتلك المراجعة، لا تعطيان ثمرا طيبا إلا إذا وقف المرء من نفسه موقفا حذرا، حازما، حتى يقهر هواها، ولا تغلبه على أمره، وذلك لا يكون إلا باستحضار تقوى الله، والخوف من عقابه.. ولهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك «واتقوا الله» تلك التقوى التي تشهد محاسبة المرء نفسه ومراجعتها بين يدى جلال الله، وعظمة الله وسلطان الله، حتى لا يميل مع نفسه، ولا يغلبه هواها على تقوى الله.

صفحة رقم 877

فقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ».. هو استحضار للتقوى التي تدعو الإنسان إلى مراقبة نفسه ومحاسبتها.. وذلك ما أشار إليه قوله تعالى «وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ» وأما قوله تعالى بعد ذلك: «وَاتَّقُوا اللَّهَ» فهو استحضار لتقوى الله، فى كل حال يقف المرء فيها مع نفسه موقف المحاسب والمراجع، حتى لا يميل مع هواه. ولا تغلبه نفسه على ما تشتهى.. فالمراد بالأمر بتقوى الله هنا، هو تقواه فى تلك الحال، أي واتقوا الله وأنتم تحاسبون أنفسكم، فلا تميلوا معها، ولا تتبعوا أهواءها..
قوله تعالى:
«وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، هم أهل الضلال من المنافقين، واليهود، الذين خلت قلوبهم من تقوى الله، وخشيته، فلم ينظروا فيما يقدمون لغد، بل شغلوا بما هم فيه من متاع الحياة الدنيا، ونسوا الله، ولم يذكروا عقابه، ولم يستحضروا جلاله وعظمته، فكان هذا النسيان لله، ولجلاله، وعظمته، سببا فى نسيانهم لأنفسهم، فلم ينظروا إلى المصير الذي هم صائرون إليه، ولم يروا البلاء المحدق بهم من هذا الضلال الذي هم فيه.. ولو أنهم ذكروا الله، وذكروا حسابه وعقابه، لذكروا وجودهم هذا الذي يسبح فى بحار الضلال، ولعملوا جاهدين على إنقاذ أنفسهم مما هم فيه، فكان نسيانهم لله، هو الداء الذي ران على قلوبهم، وأعمى أبصارهم، فلم يروا حقا، ولم تقبل قلوبهم ما هو حق.
وعلى هذا يكون فاعل الفعل أنساهم ضميرا عائدا على المصدر المفهوم من الفعل «نسوا الله» أي: فأنساهم هذا النسيان أنفسهم.. ويجوز أن يكون الفاعل ضمير لفظ الجلالة العائد على قوله تعالى: «نسوا الله».. بمعنى: نسوا الله فعاقبهم الله بأن أنساهم أنفسهم.

صفحة رقم 878

والفاسقون: هم الخارجون عن طريق الحق، الذي قام عليه الوجود كله، وهم الخارجون على فطرتهم التي فطر الله الناس عليها..
قوله تعالى:
«لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ» فمن اتقى الله ونظر إلى ما قدم لغد، وحاسب نفسه على ما يعمل، حسابا قائما على تقوى الله وخشيته، فقد أعد نفسه ليكون من أصحاب الجنة، وذلك هو الفوز العظيم.. «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ» (١٨٥: آل عمران) وشتان بين من يعذب فى النار، ومن ينعم بنعيم الجنة..
[القرآن.. وما يتجلى على الوجود] قوله تعالى:
«لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات السابقة دعت إلى تقوى الله، وذلك إنما يكون بذكر الله، واستحضار جلاله وعظمته، وحذرت من نسيان الله، والغفلة عن ذكره، فذلك النسيان يخلى قلب الإنسان من كل أثر لتقوى- الله- فجاءت هذه الآية لتقدم بين يدى تلك الدعوة إلى ذكر الله، وإلى تقواه خير- هاد يهدى إلى الله، وخير مذكّر يذكّر به، وهو القرآن الكريم، الذي يقول الله سبحانه وتعالى عنه: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ.. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ» (١٧: القمر) ويقول فيه سبحانه أيضا: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» (٨٢: الإسراء) ويصفه سبحانه بأنه ذو الذكر فى قوله: «ص. وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ»..
فهذا القرآن لو أنزل على جبل، لخشع وتصدع من خشية الله.. ولكن

صفحة رقم 879

هذا القرآن لم يتجه إلى الجبل، وإنما اتجه إلى الإنسان.. ومع هذا فإن كثيرا من الناس لم يقع هذا القرآن منهم موقعه من الجبل الأصم لو نزل عليه.. فلم يخشعوا له، ولم تلن قلوبهم به.. فهناك فى الناس قلوب قاسية، أشد قسوة من حجارة هذا الجبل، كما يقول سبحانه: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» (٧٤: البقرة) وكما أن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار، وما يشقق فيخرج منه الماء، وما يهبط من خشية الله- فكذلك فى القلوب ما يفيض بالخير، فيكون أشبه بالنهر العظيم أو النبع الصافي يعيش فى خيره الناس، وكذلك فى القلوب ما يلين ويخشع لذكر الله. «الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» (٢: الأنفال) فمن قرأ القرآن، أو استمع إليه، ولم يخشع قلبه له، ولم ينضح بقطرات من الخير والإحسان، ولم تبرق فى سمائه بروق الهدى والإيمان- فليعلم- إن كان منه أن يعلم- أنه دون بعض الأحجار، قبولا للخير، وتأثرا به..
قوله تعالى: «وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» أي وهذه الأمثال التي يسوقها القرآن للناس، إنما هى لتقريب الحقائق إلى عقولهم، ليروا على مرآتها أحوالهم، وما فى تلك الأحوال من انحراف أو عوج، حتى يقوموا منها ما انحرف، ويصلحوا ما اعوج.. هذا إذا كانت لديهم عقول يعقلون بها.. فهذه الأمثال، إنما هى لمن يعقل، ويتفكر فيما عقل..
قوله تعالى:
«هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ»

صفحة رقم 880

هذا مما نزل به القرآن الكريم من ذكر الله، وهو مما لو نزل على جبل لخشع وتصدّع من خشية الله..
فهذه الآية والآيات التي بعدها إلى آخر السورة، قد خلصصت لذكر بعض أسماء الله سبحانه وتعالى، وصفاته.. لم يذكر مع أسماء الله وصفاته غيرهما..
وهذا يعنى أن القرآن كله، هو دعوة إلى الله سبحانه، وإلى تجلى أسمائه وصفاته على عباده..
فالقرآن الكريم كلام الله، وكلامه- سبحانه- صفة من صفاته..
ففى كلمات الله تتجلّى صفاته على القلوب المؤمنة، التي من شأنها أن تخشع لذكر الله..
والتفرد بالألوهية، هو أول صفة لله سبحانه، ولهذا كانت هذه الحقيقة أول ما بدىء به من صفات الله تعالى..
«هُوَ اللَّهُ.. الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ»..
فهذا التفرد هو الذي يجعل الكمال المطلق لصفات الله.. فإذا تفرد- سبحانه- بالألوهية، تفرد بالكمال المطلق فى كل شىء.. وكان من أول مراتب الكمال بعد التفرد بالألوهية «العلم» الذي يحيط بكل ما فى الوجود من غائب أو حاضر، وباطن، أو ظاهر..
فمن كمال الذات، كمال العلم الذي تتصف به، وبهذا العلم الكامل تقوم الربوبية على كل ذرة فى هذا الوجود، ما ظهر منه، وما بطن..
ومن صفات الإله الواحد المتفرد بالألوهية وبالعلم- الرحمة، التي بها وجد

صفحة رقم 881

ولهذا جاء قوله تعالى: «لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً» جامعا بين اليهود جميعا، فى كل زمان ومكان، على تلك الصفة التي وصفهم الله سبحانه بها، وأنهم لا يقاتلون إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر.. كذلك كان سلفهم، وكذلك يكون خلفهم..
قوله تعالى: «بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ» - إشارة إلى حال اليهود فيما بينهم، وأنهم أشد الناس شراسة، وأقساهم قلبا، وأقدرهم على الفتك، حيث يقاتل بعضهم بعضا، ويفتك بعضهم ببعض.. إنهم حينئذ يكونون أشبه بالحيات ينهش بعضها بعضا، ويفتك بعضها ببعض، فهى أعلم بمواطن الضعف فى أبناء جنسها، وهى لهذا أشد جسارة، وأكثر إقداما من غيرها على هذا نفث السمّ الكامن فيها..
وقوله تعالى: «تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى».. أي تبدو حال هؤلاء اليهود فى ظاهرها، أنهم جمع واحد، ويد واحدة..
هكذا هم فيما يضمهم من مكان.. أما قلوبهم فهى أشتات موزعة، تذهب فى أودية مختلفة، كل قلب منها يذهب فى واد غير الذي يذهب فيه صاحبه..
وهذا يعنى أن كل واحد منهم إنما ينظر إلى نفسه، وبهتم بسلامتها قبل كل شىء.. لا يعنيه أن يسلم أصحابه أو يعطبوا.. إنهم فى ساعة الخطر أشبه بالغنم يهجم عليها ذئب، فتتطاير هنا وهناك كما يتطاير الشرر..
وقوله تعالى: «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ».. أي لا عقل لهم، ولو عقلوا لعلموا أن السلامة فى اجتماعهم عند الخطر، وفى لقائهم له كيانا واحدا، وأن تفرقهم هو الذي يجعل يد الخطر مبسوطة عليهم متمكنة منهم جميعا.. فهم فى هذا الفرار الذي يطلب به كل واحد منهم السلامة لنفسه، إنما يردون به موارد الهلكة جميعا..

صفحة رقم 882

المعتقد هو فيصل ما بين الإيمان والكفر.. وإنه لا يضرّ مع الإيمان شىء، كما لا ينفع مع الكفر شىء!.
و «الملك» هو المالك المطلق لكل شىء.. لا ينازعه أحد فى ملك شىء من هذا الوجود، إذ أن أي موجود لا يملك وجود نفسه، فكيف يكون له مع الله ملك فى ملكه الذي هو- أي هذا الموجود- بعض منه؟
و «القدوس».. هو المنزه عن كل نقص، المبرأ من كل عيب.
و «السلام».. هو من سلمت ذاته، وصفاته، وأفعاله، من أي عارض من عوارض النقص..
و «المؤمن» هو الطاهر الذي لا تعلق به شائبة.. ومنه سمى المؤمن مؤمنا..
و «المهيمن» هو القائم على الوجود، المسيطر على كل ذرة فيه..
و «العزيز» هو المتفرد بالعزة، والسلطان..
و «الجبار» هو القوىّ، الذي يخضع لجبروته كل جبار.
و «المتكبر» هو المتعالي الذي لا يطاول..
فهذه ثمان صفات، جاءت متتابعة من غير حرف عطف، لأنها جميعها صفة واحدة، لموصوف واحد.. فكما أن الله سبحانه واحد فى ذاته، هو واحد فى صفته، وهى الألوهية.. وليس هذا التعدد فى الصفات إلا من حيث نظرنا نحن إلى الذات، وما ينبغى أن نراه فيها من صفات الكمال..
فنحن بعقولنا البشرية هذه، لا يمكن أن نعرف الذات الإلهية، ولا أن نخشع لجلالها وسلطانها، إلّا بقدر ما نتمثل لها من صفات الكمال، وإنه

صفحة رقم 883

بغير هذه الصفات التي نتمثلها، لا يمكن أن تقوم بيننا وبين الخالق جلّ وعلا علاقة ذات أثر وتأثير فينا..
«سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» أي تنزه الله سبحانه، وتعالى عما يشرك به المشركون، بما يعبدون من دونه من معبودات.
قوله تعالى:
«هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»..
- «هُوَ اللَّهُ».. توكيد بعد توكيد، لذات الله الواحد الذي لا إله إلا هو..
- «الْخالِقُ».. أي الذي تفرد بالخلق.. فكل ما فى الوجود مخلوق له.. «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ» (٥٤: الأعراف)..
فكل ما فى الوجود مخلوق لله، والمخلوق لا يخلق، وما يبدو من المخلوقين أنه خلق، وابتكار، وابتداع- هو عمل فيما خلق الله، بالحلّ والتركيب فى عالم المادة، وفيما أودع الخالق سبحانه فيها من قوى وما أخضعها له من قوانين.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ» (٧٣: الحج)..
- «الْبارِئُ».. أي الذي خلق ما خلق ابتداء على غير مثال سبق..
- «الْمُصَوِّرُ».. أي الذي يبدع فى خلقه، ويصور كيف يشاء..

صفحة رقم 884

- «لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى».. أي أنه سبحانه، مسمّى بكل اسم حسن، يليق به، لأن حسن الاسم من حسن المسمّى، حيث يسمى الشيء عادة بالاسم الذي يدل على أوضح صفة فيه.. وفى قاموس اللغة فى أي لسان، تجد تشابها كثيرا بين اللغات المختلفة فى اختيار الأسماء للأشياء التي بين أيدى الناس، هذا الاختيار الذي يقوم على أن يعطى الاسم دلالة واضحة على أبرز صفة فى هذا الشيء، من حيث الشكل، أو اللون، أو الطعم، أو الوظيفة التي يقوم بها.. إلى غير هذا مما يميز بين الشيء والشيء..
ولعل هذا ما يفهم من قوله تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» بمعنى أن الله تعالى أقدر آدم على أن يتعرف على الأشياء، وأن يجعل لكل شىء مفهوما، وأن يتخذ من هذا المفهوم اسما يجعله شارة لهذا الشيء يذكره به غائبا، وحاضرا..
وهذا هو ما كان من الإنسان، فإنه لم يدع شيئا يقع تحت حواسه، إلا استدعاه إليه باسم خاص به، مهما بلغت هذه الأشياء من الكثرة والتعدد..
بل إن الإنسان لم يقف عند هذا، بل وضع لكل جزء من أجزاء الشيء الواحد اسما يدل عليه، كما نرى ذلك فى الإنسان، والأسماء التي لا تحصى لأعضائه الظاهرة والباطنة.. وهكذا صنع الإنسان بأدوات طعامه، وشرابه، ولباسه، ونومه وصيده، وحربه، إلى غير ذلك مما تلده الحياة كل يوم من مواليد فنونه ومخترعاته..
فإذا تعامل الإنسان، مع الله- سبحانه- وتعالى- بأسماء يدعوه بها، وجب أن تكون هذه الأسماء دالة على ما لله سبحانه وتعالى، من كمال، وعظمة، وجلال، وسلطان قائم على هذا الوجود.. كما يقول سبحانه:
«وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها».. ففى أسماء الله الحسنى التي ندعوه بها

صفحة رقم 885

تتجلى لنا صفات الكمال التي له سبحانه.. ولهذ، فإن أسماء الله سبحانه، هى صفاته.. وقد ذكر القرآن الكريم كثيرا من هذه الأسماء المباركة لله وصفاته وهى متفرقة فى آيات الكتاب الكريم، وقد جمعها الحديث الشريف فى تسعة وتسعين اسما.. فيجب علينا أن نقف عندها، لا نتجاوزها، ولا نعدل عنها إلى غيرها، إذ كانت هى أكمل الأسماء، وأكمل الصفات التي تليق به سبحانه.. فى قاموس اللغة العربية.
(أسماء الله الحسنى)
روى البخاري، ومسلم، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه قال:
«إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر».
والأسماء الحسنى كما أحصاها العلماء هى: الله لا إله إلا هو.. الرحمن..
الرحيم.. الملك.. القدوس.. السلام.. المؤمن.. المهيمن.. العزيز.. الجبار.. المتكبر..
الخالق.. البارئ.. المصور.. الغفار.. القهار.. الوهاب.. الرزاق.. الفتاح.. العليم..
القابض.. الباسط.. الخافض.. الرافع.. المعز.. المذل.. السميع.. البصير..
الحكم.. العدل.. اللطيف.. الخبير.. الحليم.. العظيم.. الغفور.. الشكور..
العلى.. الكبير.. الحفيظ.. المقيت.. الحسيب.. الجليل.. الكريم..
الرقيب.. المجيب.. الواسع.. الحكيم.. الودود.. المجيد.. الباعث..
الشهيد.. الحق.. الوكيل.. القوى.. المتين.. الولي.. الحميد.. المحصى..
المبدئ.. المعيد.. المحيي.. المميت.. الحي.. القيوم.. الواجد.. الماجد..
الواحد.. الصمد.. القادر.. المقتدر.. المقدم.. المؤخر.. الأول.. الآخر..
الظاهر.. الباطن.. الوالي.. المتعال.. البر.. التواب.. المنتقم.. العفو..

صفحة رقم 886

الرءوف.. مالك الملك ذو الجلال والإكرام.. المقسط.. الجامع.. الغنى..
المغني.. المعطى.. المانع.. الضار.. النافع.. النور.. الهادي.. البديع.. الباقي..
الوارث.. الرشيد.. الصبور.
قوله تعالى: «يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» أي أن كل ما فى السموات والأرض من عوالم، يسبح لله، ويحمد له، ويتعبد لذاته، كما يقول سبحانه: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» (٤٤: الإسراء).
وقوله تعالى: «وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» - إشارة إلى ما لله سبحانه وتعالى من عزة يخضع لها كل ما فى هذا الوجود.. «فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً» (١٠: فاطر) فإن من كمال الإله الواحد، المتفرد بالسلطان- أن يخضع لسلطانه كل شىء «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً، وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ».. وهذه العزة القاهرة لله، هى عزة الحكيم الذي يقيم كل شىء بعزته وسلطانه على ميزان الحكمة والعدل والإحسان، لا على الهوى، والجور، والإذلال، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا..
هذا ويلاحظ أن الآيات الثلاث التي عرضت هذه الأسماء الكريمة لله سبحانه وتعالى، قد جاءت متلاحمة، من غير أن يصل بعضها ببعض حرف عطف، أو أن يتوسل إلى وصل بعضها ببعض بعاطف يجمع بينها، إذ أنها فى حقيقتها اسم واحد، أو صفة واحدة للإله الواحد.. وكما أنه قد استغنت الآيات فيما بينها عن رابط غير رباط الوحدة التي تجمعها جميعا فى مضمون واحد، هو وحدة الله سبحانه، وتفرده ذاتا، وصفة- كذلك استغنت كل آية عن أن يدخل بين مفرداتها عاطف يصل بين أفراد المتآخيه..

صفحة رقم 887

واتل أيها المؤمن الآيات الكريمات:
«هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».
وانظر فى وجهها الكريم، فإنك لا تجد فيها حرف عطف واحدا، إذ كانت مستغنية بما بينها من تلك الوحدة الجامعة لها جميعا من الكمال والجلال عن أن يدخل عليها ما ليس منها.. إنها نور إلى نور، وما كان النور أن يحتاج إلى شىء يمزج شعاعاته بعضها بعض، أو يصل بعضها ببعض..
فهذه الصفات الكريمة هى صفة واحدة فى تفرقها واجتماعها.. وكل صفة منها تجمع جميع الصفات.. فهى صفة فى صفات، وصفات فى صفة، وما هذا التعدد إلا من وجهة نظرنا نحن البشر، حسب ما يبدو لعقولنا من تجليات الله سبحانه وتعالى علينا، وذلك أشبه- من غير تشبيه- بما يقع لأبصارنا من الضوء يمر خلال منشور زجاجى، فتنعكس لأبصارنا عليه ألوان الطيف، وليس ثمة.
فى الحقيقة- إلا هذا الضوء المشع الذي يفيض من عالم النور.

صفحة رقم 888

٦٠- سورة الممتحنة
نزولها: مدنية.
عدد آياتها: ثلاث عشرة آية.
عدد كلماتها: ثلاثمائة وأربعون كلمة.
عدد حروفها: ألف وخمسمائة وعشرة.
مناسبتها لما قبلها
كان مما تحدثت به السورة السابقة (الحشر) هذا الحديث الذي يكشف عن وجوه المنافقين، الذي جعلوا بينهم وبين الذين كفروا من أهل الكتاب مودة قائمة على العداوة والكيد، للنبى وللمؤمنين، وأن هذه المودة قد كانت شؤما وبلاء على أهلها من هؤلاء وأولئك جميعا..
وتبدأ سورة الممتحنة بهذا التحذير للمؤمنين، أن يأخذوا هذا الاتجاه المهلك الذي اتخذه الذين نافقوا ممن كانوا فى المؤمنين.. فهذا التحذير الذي يجىء عقب هذا البلاء الذي حلّ بأحلاف الضلال- هو أشبه بالضرب على الحديد وهو ساخن- كما يقولون- حيث يظهر أثر هذا الضرب عليه، ويستجيب للصورة التي يراد تشكيله عليها.. فإنه ما إن ينتهى الذي يتلو سورة (الحشر) من تلاوتها، حتى تلقاه سورة (الممتحنة) لتعيده مرة أخرى إلى هذه الصورة التي تمثلت له مما حل بالمنافقين وأحلافهم من اليهود، ولتقيم بين يديه منها، هاوية يهوى إليها كل من يأخذ هذا الطريق الضال، فيجعل بينه وبين أعداء الله ورسوله ألفة ومودة. فإنه إن يفعل تردّى فى هذه الهاوية السحيقة التي تردّى فيها المنافقون الذين وقف على مصارعهم منذ قليل.. فلينظر من كان له نظر.. وليختر الطريق الذي يحلوله..!!

صفحة رقم 889
التفسير القرآني للقرآن
عرض الكتاب
المؤلف
عبد الكريم يونس الخطيب
الناشر
دار الفكر العربي - القاهرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية