الرخاء والسّرّاء «فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ» ولم يوفقهم لعمل الخير ولم ينظر إليهم حال الشّدة والضّراء، قال صلّى الله عليه وسلم تعرّفوا إلى الله بالرخاء يعرفكم بالشدة «أُولئِكَ» الناسون ربهم «هُمُ الْفاسِقُونَ» (١٩) الخارجون عن طاعته «لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ» الغافلون عن الله الجاحدون رسله وكتبه واليوم الآخر «وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ» المصدقون بذلك كله المديمون ذكر الله «أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ» (٢٠) برضاء الله ونعيم الآخرة والشّرف برؤية ربهم وأصحاب النّار الخاسرون الدّنيا والآخرة المحرومون من نعيم الجنّة المعذبون فيها «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ» وجعلنا فيه التمييز كما جعلناه فيكم أيها النّاس «لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» فيجدر بكم أيها المؤمنون أن تخشعوا وتخضعوا لتلاوته وأوامره. راجع الآية ١٤٢ من الأعراف وانظر كيف دك الجبل بمجرد تجلي الله تعالى عليه مع أنه لا يعقل ولكن الله تعالى يضع فيه العقل إذا شاء حتى انه إذا أنزل عليه كلامه خشع وتصدع وهذا مثل ضربه الله لكم أيها النّاس لتعتبروا لأنكم أنتم الّذين يجدر بكم أن يصدر منكم ذلك «وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (٢١) فيها فيعتبرون ويتعظون، تشير هذه إلى قساوة قلوب النّاس وفيها تهديد لهم، قال تعالى (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) الآية ١٢ من سورة الزمر ج ٢ وبعد أن بين الله عظمة كتابه ذكر بعض عظمة أسمائه فقال تعالى «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» (٢٢) الذي أنزل عليكم كتابه رحمة بكم وأرسل إليكم رسله نعمة لكم فقدروا رحمته واشكروا نعمته ليتفضل عليكم بجنته واعلم أن الغيب كلّ ما غاب عن الخلق فكل ما لا يعملونه هو عالم به كالمشاهد له لا فرق عنده بين الغائب والحاضر إذ لا يعزب عن علمه شيء ولا غيب عليه والغيب بالنسبة لنا، أما هو جل شأنه فالغيب والشّهادة عنده سواء «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» المتصرف بالأمور خفيها وجليها «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ» الطاهر المنزه عن سمات خلقه المبرأ من كلّ عيب ونقص في الماضي والحال والمستقبل «السَّلامُ» الذي لا يطرأ عليه شيء مما يطرأ على خلقه من الحوادث سابقا وآنا ولاحقا وهو اسم مبالغة المسالم «الْمُؤْمِنُ» خلقه
صفحة رقم 103
المؤمنين من عذابه وغير المؤمنين من ظلمه «الْمُهَيْمِنُ» الرقيب الشّهيد القائم على خلقه وعلى هذه المعاني جاء قوله:
ألا إن خير النّاس بعد نبيه
مهيمنه التالية في العرف والنّكر
ويأتي بمعنى الحافظ العلي وبمعنى الآخر قال العباس يمدح رسول الله في أبيات منها:
حتى احتوى بينك المهيمن من
حنذف علياء زانها النّطق
واحتوى هنا بمعنى جمع والمهيمن العلي والحنذف وصف امرأة الياس بن مضر ليلى بنت حلوان بن عمران والحنذفة الهرولة والمشي بتبختر وليس مرادا هنا وقال بعضهم لا يعلم معناه إلّا الله وأنشد:
جل المهيمن عن صفات عبيده
ولقد تعالى عن عقول أولي النّهى
راموا بزعمهم صفات مليكهم
والوصف يعجز عن مليك لا يرى
«الْعَزِيزُ» الذي لا يغلبه غالب ولا يفلت منه هارب الواجب الطّاعة فيما يأمر وينهي النّادر الذي لا مثيل له القوي الذي لا يجارى «الْجَبَّارُ» العظيم الشّأن في القدرة والسّلطان والقهر الذي لا يدانى ولا يحجزه عن إرادته حاجز «الْمُتَكَبِّرُ» البليغ في كبريائه الذي لا يحيط به شيء وهذه والتي قبلها صفتان ممدوحتان في الخالق مذمومتان في المخلوق «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (٢٣) به من خلقه من لا يستحق شيئا من هذه الصّفات الجليلة ولا يقدر على خلق شيء من مخلوقاته ولا على حفظ نفسه من العاهات تنزه عن الشّريك والمثيل والنّدّ والشّبيه «هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ» للوجد الأعيان من العدم إبداعا واختراعا وإنشاء «الْمُصَوِّرُ» خلقه في الأرحام والبيض والأكمام والطّين وغيرها ومكونها بما هي عليه كما شاء الذي جعل لكل منها ميزة على الآخر على كثرتها واختلافها فسبحانه من إله قادر متكبر «لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» الكريمة الشّريفة الدّالة على معان كثيرة راجع الآية ٨ من سورة طه ج ١ تجدها كلها هناك مع ما يخطر ببالك عنها وإن له تعالى أسماء غيرها لا تعد ولا تحصى حيث يشتق له من كلّ ما يقع في ملكه اسم «يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» من كلّ نام وجامد بلسان القال والحال «وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (٢٤) في أفعاله وأقواله وآثاره وقد ختمت
صفحة رقم 104