آيات من القرآن الكريم

اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

النَّجْوَى صَدَقَةً فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ نُسِخَ هَذَا وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ:
فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُوا الْمَسَائِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَقُّوا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْ نَبِيِّهِ عليه السّلام، فلما قال ذلك جبن كثير من المسلمين وَكَفُّوا عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَوَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُضَيِّقْ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ تعالى: فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ إِلَى آخِرِهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حتى أحفوه بالمسألة ففطمهم اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا كَانَتْ لَهُ الْحَاجَةُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْضِيَهَا حَتَّى يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَدَقَةً، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الرُّخْصَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ مَا كَانَتْ إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. وَهَكَذَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلِيٌّ: مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ غَيْرِي حَتَّى نُسِخَتْ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَمَا كَانَتْ إلا ساعة.
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١٤ الى ١٩]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩)
يقول الله تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ فِي مُوَالَاتِهِمُ الْكُفَّارَ فِي الْبَاطِنِ. وَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا مَعَهُمْ وَلَا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء: ١٤٣] وقال هاهنا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يَعْنِي الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يمالئونهم ويوالونهم في الباطن ثم قال تعالى:
مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ أَيْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لَيْسُوا فِي الْحَقِيقَةِ لَا مِنْكُمْ أَيُّهَا المؤمنون، ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود، ثم قال تعالى: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِيمَا حَلَفُوا وَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ حَالِهِمُ اللَّعِينِ عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا، وإذا جاءوا الرسول حلفوا له بالله أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ فِيمَا حَلَفُوا بِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ صِدْقَ مَا قَالُوهُ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُطَابِقًا، وَلِهَذَا شَهِدَ اللَّهُ

صفحة رقم 81

بِكَذِبِهِمْ فِي أَيْمَانِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ لِذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ تعالى: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ أَيْ أَرْصَدَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ وَهِيَ مُوَالَاةُ الْكَافِرِينَ وَنُصْحُهُمْ وَمُعَادَاةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَغِشُّهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَبْطَنُوا الْكُفْرَ وَاتَّقَوْا بِالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، فَظَنَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ صِدْقَهُمْ فَاغْتَرَّ بِهِمْ، فَحَصَلَ بِهَذَا صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لِبَعْضِ النَّاسِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ أَيْ فِي مُقَابَلَةِ مَا امْتَهَنُوا مِنَ الْحَلِفِ بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ فِي الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ الْحَانِثَةِ.
ثُمَّ قَالَ تعالى: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أَيْ لَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بَأْسًا إِذَا جَاءَهُمْ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ثم قال تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً أَيْ يَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ آخِرِهِمْ فَلَا يُغَادِرُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَيْ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى وَالِاسْتِقَامَةِ كَمَا كَانُوا يَحْلِفُونَ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ مَنْ عَاشَ عَلَى شَيْءٍ مَاتَ عَلَيْهِ وَبُعِثَ عَلَيْهِ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا كَانَ يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ النَّاسِ فَيُجْرُونَ عَلَيْهِمُ الْأَحْكَامَ الظَّاهِرَةَ وَلِهَذَا قَالَ:
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَيْ حلفهم بذلك لربهم عز وجل.
ثم قال تعالى: مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ حُسْبَانَهُمْ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ فَأَكَّدَ الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِالْكَذِبِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي ظِلِّ حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِهِ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ المسلمين قد كاد يَقْلِصُ عَنْهُمُ الظِّلَّ قَالَ: «إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ يَنْظُرُ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ فَإِذَا أَتَاكُمْ فَلَا تُكَلِّمُوهُ» فجاء رجل أزرق فدعاه رسول الله فَكَلَّمَهُ فَقَالَ: «عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ» نَفَرٌ دَعَاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، قَالَ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَدَعَاهُمْ فَحَلَفُوا لَهُ وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سِمَاكٍ بِنَحْوِهِ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ، وَحَالُ هَؤُلَاءِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ يَقُولُ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ [الأنعام: ٢٣- ٢٤].
ثم قال تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أَيِ استحوذ على قلوبهم الشيطان

(١) المسند ١/ ٢٤٠، ٢٦٧، ٣٥٠.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٢٤.

صفحة رقم 82
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية