آيات من القرآن الكريم

اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

فلما نزل قوله تعالى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ
قال صلّى الله عليه وسلّم: «خفّف الله عن هذه الأمّة».
وهكذا الإنسان شحيح بطبعه، محب للمال بغريزته، فإن لم تفعلوا ما ندبتم إليه أو ما أمرتم به هنا، وقد تاب عليكم، ورخص لكم المناجاة بدون صدقة، مع أنها خير لكم وأطهر إن لم تفعلوا فأقيموا الصلاة لتقوم نفوسكم، وأدوا الزكاة لتطهر أموالكم، وتحصنها، وأطيعوا الله ورسوله، والله خبير بما تعملون.
ومن هنا يجب أن نعلم أنه يستحسن أن تقدم خيرا عند طلبك من الله شيئا وقبل دعائك له!
موالاة غير المؤمنين [سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١٤ الى ٢٢]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)

صفحة رقم 637

المفردات:
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ: غلب على عقولهم. حِزْبُ الشَّيْطانِ: أتباعه وأنصاره. يُوادُّونَ: يصادقون. أَوْ عَشِيرَتَهُمْ العشيرة: هي الأهل والأقارب. بِرُوحٍ مِنْهُ: بقوة وطمأنينة من عنده.
المعنى:
انظر يا من يتأتى منه النظر- متعجبا- إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم، وهم اليهود، وقد تولاهم المنافقون يسرون إليهم بالمودة، ويحلفون لهم إنهم لمعكم، ويعلم الله أن المنافقين لكاذبون، كيف يتولون قوما غضب الله عليهم؟ حالة كونهم ما هم منكم، ولا منهم، أى: هؤلاء الذين تولوا اليهود ليسوا من المؤمنين الخلص، ولا من الكافرين الخلص بل هم مذبذبون بين ذلك، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء «١».

(١) في هذا إشارة إلى أن «ما هم منكم ولا منهم» جملة حالية من فاعل (تولوا) ويصح أن تكون استئنافية، والمعنى واحد، ويصح أن تكون صفة لقوم، والمعنى: قوما هم اليهود ليسوا منكم أيها المسلمون ولا من المنافقين، ومع هذا تولوهم.

صفحة رقم 638

روى أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن نبتل، المنافق- وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية- وكان صلّى الله عليه وسلّم يجالسه، ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا نحن جلوس مع النبي في إحدى حجراته إذ قال: «يدخل عليكم الآن رجل قلبه جبّار وينظر بعيني شيطان» فدخل عبد الله بن نبتل، فقال النبي له: علام تشتمني أنت وأصحابك؟
فحلف بالله ما فعل، فقال له النبي: «فعلت» فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت الآية
. وهذا معنى قوله تعالى: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ «١» نعم حلفوا بالله أيمانا فاجرة، وهم يعلمون أنهم كاذبون، وتلك هي اليمين الغموس.
هؤلاء أعد الله لهم عذابا شديدا، وهو الدرك الأسفل من جهنم، إنهم بئس العمل عملهم؟ هؤلاء اتخذوا أيمانهم الفاجرة الكاذبة جنة ووقاية لهم حتى أمنوا القتل، وفي قراءة «إيمانهم» أى: الظاهري كان وقاية لهم من القتل، فصدوا المؤمنين عن سبيل الله، وهو جهادهم بقتلهم وأخذ أموالهم، وقيل: صدهم عن سبيل الله بإلقاء الأراجيف وتثبيط المسلمين عن الجهاد وتخويفهم من القتل، وقد كان المنافقون كذلك، ويترتب عليه أن لهم عذابا ذا إهانة في الدنيا والآخرة، لن تنفعهم أموالهم التي جمعوها، ولا أولادهم الذين يعتزون بهم، ولن يغنوا عنهم من عذاب الله شيئا من الإغناء، وكيف تنفعهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون؟ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
اذكر يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له أنهم مؤمنون، وما علموا أن ذلك لا ينفعهم أبدا ولا يليق بعاقل أبدا، يحلفون لله كما يحلفون لكم، ويحسبون أنهم على شيء من منفعة بسبب يمينهم، ألا إنهم هم الكاذبون المبالغون في الكذب، حيث كذبوا بين يدي علام الغيوب يوم القيامة في الحال التي يؤمن فيها الفاجر، فلا عجب إذ يحلفون لكم الآن، ولسائل أن يسأل عن السبب في هذا، والجواب: أنه استحوذ عليهم الشيطان فملك عنانهم، وغلب على عقولهم حتى اتبعوه بلا عقل ولا روية، وهذا هو سبب كذبهم وضلالهم السابق، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، حتى نسوا أنفسهم

(١) - جملة استئنافية مسوقة لتعليل خسرانهم. [.....]

صفحة رقم 639

فتركوها ترتكب الآثام والأباطيل، أولئك- والإشارة لبعدهم في الغواية والبهتان- حزب الشيطان وجماعته المتجمعون على الإثم والعدوان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، وأى خسارة بعد هذا؟
إن الذين يحادون الله ورسوله «١» بمخالفة أمره، واتباع الشيطان أولئك في عداد الأذلين، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. وما سبب ذلك! الجواب: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، أى: قدر وأراد إرادة مؤكدة كأنه أقسم عليها، ولذا جاء الجواب باللام المؤكدة في قوله: لأغلبن أنا ورسلي وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ «٢» ولا غرابة إن ربك لقوى قادر عزيز غالب.
لا تجد قوما يؤمنون بالله ورسوله حقا إيمانا كاملا، يوادون من حاد الله ورسوله بقلوبهم مخلصين، والغرض من هذا الأسلوب بيان أنه لا ينبغي أن يجتمع في قلب واحد إيمان كامل مع موادة الكفار. وحقه أن يمتنع، ولا يوجد بحال وهذه مبالغة في النهى عنه والزجر عن سلوك طريقه والمنهي عنه الإخلاص القلبي للكافر، ولو كان أبا أو ابنا أو أخا أو من العشيرة، وقد كان الصحابة لا يفضلون على حب الله ورسوله شيئا، بل بعضهم قتل وصفع وأهان بعض أقاربه في سبيل الله أولئك الممتثلون أمر الله الذين يرون حلاوة الإيمان في حب الله ورسوله. وهم بالطبع لا يوادون أعداء الله وأعداء الإسلام والقرآن أولئك كتب الله في قلوبهم الإيمان وثبته، وأيدهم بروح من عنده وأنار قلوبهم للحق فاعتنقوه، وسيدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم، ورضوا عنه أولئك حزب الرحمن المختصون بالقرآن ألا إن حزب الله هم المفلحون وحدهم وأى فلاح بعد ذلك؟!!

(١) - جملة استئنافية مسوقة لتعليل خسرانهم
(٢) - سورة الصافات الآيتان ١٧١ و ١٧٢.

صفحة رقم 640
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية