آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ

وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وهو ما يكون خلافا عليه. وقرئ «فلا تنتجوا» وفلا تناجوا بحذف إحدى التاءين، وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وهو الذي يضاد العدوان، وَالتَّقْوى وهو ما يتقى به من النار من فعل الطاعات وترك المعاصي، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩)، أي اتقوا الله في أن تتناجوا دون المؤمنين الذي تجمعون بقهر إليه تعالى يوم القيامة، أي إلى مكان المحاسبة والمجازاة إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا، أي إنما النجوى السابقة- وهي نجوى المنافقين- مع اليهود ممتدة من الشيطان، أي إن الشيطان يأمرهم بأن يقدموا عل تلك النجوى التي هي سبب لحزن المؤمنين، وذلك لأن المؤمنين إذا رأوهم متناجين قالوا: ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا إلى الغزوات أنهم قتلوا، وهزموا، يقع ذلك في قلوبهم ويحزنون له. وقرأ نافع «ليحزن» بضم الياء وكسر الزاي، فحينئذ ففاعله ضمير يعود على «الشيطان»، أي ليحزن الشيطان المؤمنين بتوهمهم أن النجوى في نكبة أصابتهم، وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي وليس مناجاة المنافقين بضارة المؤمنين شيئا من الضرر إلا بمشيئة الله، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)، فإن من توكل عليه لا يخيب أمله ولا يبطل سعيه.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا أي إذا قيل لكم: ليتوسع بعضكم عن بعض فتوسعوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ في كل ما تريدون التوسع فيه من المكان، والرزق، والصدر، والقبر، والجنة. وهذه الآية تدل على أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة. والمراد: من هذا التوسيع إيصال الخير إلى المسلم وإدخال السرور في قلبه. وقرأ الحسن وداود بن أبي هند «تفاسحوا». وقرأ عاصم «في المجالس» بصيغة الجمع، لأن لكل جالس موضع جلوس على حدة. والباقون «في المجلس» بالتوحيد على أن المراد به الجنس.
وقرئ «في المجالس» يفتح اللام. قيل: نزلت هذه الآية في نفر من أهل بدر منهم ثابت بن قيس بن شماس جاءوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان النبي جالسا في صفة صفية يوم الجمعة، فلم يجدوا مكانا يجلسون فيه، فقاموا على رأس المجلس.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لمن لم يكن من أهل بدر: «يا فلان قم، ويا فلان قم مكانك ليجلس فيه من كان من أهل بدر»
. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فعرف النبي صلّى الله عليه وسلّم الكراهية لمن أقامه من المجلس، فأنزل الله فيهم هذه الآية يوم الجمعة.
وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه دخل المسجد، وقد أخذ القوم مجالسهم، وكان يريد القرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للوقر الذي كان في أذنيه فوسعوا له حتى قرب منه صلّى الله عليه وسلّم، ثم ضايقه بعضهم، وجرى بينه وبينهم كلام وذكر للرسول محبة القرب منه، ليسمع منه وأن فلانا لم يفسح له، فأمر القوم بأن يوسعوا، ولا يقوم أحد لأحد، فنزلت هذه الآية.

صفحة رقم 502

مسألة: إذا أمر إنسان أن يبكر الجامع فيأخذ له مكانا يقعد فيه لا يكره، فإذا جاء الآمر يقوم من الموضع، أما إذا أرسل سجادة لتفرش له في المسجد حتى يحضر هو، فيجلس عليها فذلك حرام لما فيه من تحجير المسجد بلا فائدة وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا أي وإذا قيل: ارتفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم فارتفعوا وقوموا إلى الموضع الذي تؤمرون به. وقرئ «انشزوا» بكسر الشين وبضمها، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ أي يرفع الله المؤمنين منكم أيها المأمورون بالتفسح والعالمين منه خاصة درجات بامتثال أوامره تعالى، وأوامر رسوله والموصول الثاني معطوف على الموصول الأول إما من عطف الخاص على العام، أو من عطف الصفات و «درجات» مفعول ثان كأنه قيل: يرفع الله المؤمنين العلماء درجات.
وقال ابن عباس: تم الكلام عند قوله تعالى: مِنْكُمْ وينتصب الذين أوتوا بفعل مضمر، أي ويخص الذين أوتوا العلم بدرجات أو يرفعهم إلى درجات.
قال ابن مسعود: مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى أن الله تعالى يرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذ فعلوا بما أمروا به. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١) وهذا تهديد لمن لم يمتثل الأمر. وقرئ «يعملون» بالياء التحتية. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً أي إذا أردتم مناجاة الرسول في بعض شؤونكم المهمة الداعية إلى مناجاته صلّى الله عليه وسلّم فتصدقوا قبل النجاة، وفائدة هذا التقديم تعظيم مناجاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن الإنسان إذا وجد الشيء مع المشقة استعظمه وإن وجده بالسهولة استحقره، ونفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة على المناجاة، وتمييز محب الآخرة عن محب الدنيا بتلك الصدقة، فإن المال محك الدواعي. وقال أبو مسلم: إن المنافقين كانوا يمتنعون من بذل الصدقات وإن قوما من المنافقين تركوا النفاق وآمنوا ظاهرا وباطنا إيمانا حقيقيا، فأراد الله تعالى أن يميزهم عن المنافقين فأمر بتقديم الصدقة على النجوى ليتميز هؤلاء الذين آمنوا إيمانا حقيقيا عمن بقي على نفاقه الأصلي، وهذا التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة، فوجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى الغاية المخصوصة فلا يكون هذا منسوخا. وقيل: نزلت هذه الآية في أهل الميسرة فإن منهم من كانوا يكثرون المناجاة مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم دون الفقراء حتى تأذى بذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم والفقراء، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالصدقة قبل أن يتناجوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم بدرهم على الفقراء بكل كلمة ذلِكَ أي التصدق خَيْرٌ لَكُمْ في دينكم من الإمساك وَأَطْهَرُ لذنوبكم ولقلوبكم من حب المال، لأن الصدقة طهرة فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ما تتصدقون به يا أهل الفقر، فتكلموا مع رسول الله بما شئتم بغير التصدق، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أي فطن من لم يجد ما يتصدق به كان معفوا عنه، أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ أي أخفتم تقديم الصدقات لما يخوفكم الشيطان به من الفقر وبخلتم يا أهل الميسرة، فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا ما أمرتم به من إعطاء الصدقات وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بأن أرخص

صفحة رقم 503

لكم في أن لا تفعلوه فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات، أي إذا كنتم راجعين إلى الله تعالى وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، وأطعتم الله ورسوله في سائر الأوامر، فقد كفاكم هذا التكليف، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) ظاهرا وباطنا، فهو محيط بأعمالكم ونياتكم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي ألم تنظر يا أشرف الخلق إلى المنافقين الذين اتخذوا اليهود أولياء ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ أي ليس المنافقون منكم أيها المسلمون في السر، ولا من اليهود في العلانية، لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك، وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ أي ويقولون: والله إنا لمسلمون، أو إنا لا يشتمون الله ورسوله ولا يكيدون المسلمين. يروى أن عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجرته إذ قال: يدخل عليكم اليوم رجل ينظر بعيني شيطان، فدخل رجل عيناه زرقاوان، وهو عبد الله بن نبتل، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لم تسبني أنت وأصحابك؟» فحلف بالله ما فعل، فانطلق وجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبوه، فأنزل الله هذه الآية قيل: نزلت في شأن عبد الله بن أبي وأصحابه بولايتهم مع اليهود، وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أنهم كاذبون في حلفهم فيمينهم يمين غموس لا عذر لهم فيها أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ أي للمنافقين بسبب ذلك عَذاباً شَدِيداً أي متفاقما لا طاقة لهم به في القبر، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) في نفاقهم فيما مضى من الزمان المتطاول، فتمرنوا على سوء العمل وأصروا عليه اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ أي حلفهم الكاذبة جُنَّةً أي سترة عن دمائهم وأموالهم. وقرأ الحسن «إيمانهم» بكسر الهمزة أي اتخذوا إظهار إيمانهم لأهل الإسلام وقاية عن ظهور نفاقهم وكيدهم للمسلمين، وسترة عن أن يقتلهم المسلمون، فلما أمنوا من القتل اشتغلوا بصد الناس عن الدخول في الإسلام بإلقاء الشبهات في القلوب وتقبيح حال الإسلام وذلك قوله تعالى: فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي صرفوا الناس في السر عن دين الله فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦)، أي يهانون به في الآخرة لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي
لن تدفع عنهم كثرة أموالهم ولا كثرة أولادهم من عذاب الله شيئا من الدفع، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ أي ملاقوها هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) أي لا يخرجون منها أبدا.
روي أن واحدا منهم قال: لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا فنزلت هذه الآية.
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً قيل: هو ظرف لقوله تعالى: فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ، فَيَحْلِفُونَ لَهُ أي بين يدي الله ما كنا كافرين ولا منافقين، كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ في الدنيا وَيَحْسَبُونَ في الآخرة أَنَّهُمْ بتلك الأيمان الفاجرة عَلى شَيْءٍ من جلب منفعة، أو دفع مضرة، كما كانوا عليه في الدنيا أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)، عند الله في حلفهم أي أنهم لشدة توغلهم في النفاق ظنوا يوم القيامة أنه يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب، فكأن هذا الحلف الذميم يبقى معهم أبدا، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ أي غلب على أمور المنافقين الشيطان، فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ فلا

صفحة رقم 504
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية