
يخبر تعالى عن خلقه السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم أخبر تعالى باستوائه على العرش بعد خلقهن، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية وأشباهها في سورة الأعراف بما إنى عن إعادته هاهنا، وقوله تعالى :﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرض ﴾ أي يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر، ﴿ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ﴾ من نبات وزرع وثمار، كما قال تعالى :﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [ الأنعام : ٥٩ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء ﴾ أي من الأمطار، والثلوج والبرد والأقدار، والأحكام مع الملائكة الكرام، وقوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾ أي من الملائكة والأعمال، كما جاء في الصحيح :« يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل »، وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ أي رقيب عليكم شهيد على أعمالكم، حيث كنتم وأين كنتم من بر أو بحر، في ليل أو نهار، في البيوت أو في القفار، الجميع في علمه على السواء، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم، ويعلم سركم ونجواكم، كما قال تعالى :﴿ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ [ هود : ٥ ]، وقال تعالى :﴿ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باليل وَسَارِبٌ بالنهار ﴾ [ الرعد : ١٠ ]، فلا إله غيره ولا رب سواه، وقد ثبت في الصحيح « أن رسول الله ﷺ قال لجبريل لما سأله عن الإحسان :» أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك « »، وفي الحديث، « قال رجل : يا رسول الله ما تزكيه المرء نفسه؟ فقال :» يعلم أن الله معه حيث كان « وقال رسول الله ﷺ :» إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت « وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى ينشد هذين البيتين :
إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقل | خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ |
ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعة | ولا أن ما تخفي عليه يغيب |

﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً ﴾ [ مريم : ٩٣ ]، ولهذا قال :﴿ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور ﴾ أي إاليه المرجع يوم القيامة فيحكم في خلقه بما يشاء، وهو العادل الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة، كما قال تعالى :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ]، وقوله تعالى :﴿ يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل ﴾ أي هو المتصرف في الخلق، يقلب الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء، فتارة يطول الليل ويقصر النهار، وتارة بالعكس، وتارة يتركهما معتدلين، وتارة يكون الفصل شتاء ثم ربيعاً ثم قيظاً ثم خريفاً، وكل ذلك بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه ﴿ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ أي يعلم السرائر وإن دقت أو خفيت.
صفحة رقم 2488