
وقوله: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤)
ويقرأ (بالبَخَلِ) مثل الرُّشدِ والرَّشَد، وهذا على ضربين:
أحَدُهمَا في التفسير أنهم الذين يبخلون بتعريف صفة النبي - ﷺ - التي قد عرفوها في التوراة والإنجيل.
والوجه الثاني أنه لما حَثَّ على الصفَةِ، أعلم أنَّ الًذِينَ يَبْخَلونَ
بها ويأمرون بالبخل بها، فإن الله عزَّ وجل غني عنهم.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥)
جاء في التفسير أن آدم عليه السلام هبط إلى الأرْضِ بالعلاة والمطرقة
والكلبتين. والعلاة هي التي يسميها الحدادونَ السِّنْدَانَ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ).
أي: [يُمتَنع به]، ويحارَبُ به.
(وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ).
يستعملونه في أدواتهم وما ينتفعون به من آنِيَتِهِمْ، وجميع ما يتصرف
وقوله: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ).
أي ليعْلَمَ الله من يقاتل مع رسَلِه في سُبُلِهِ.
وقد مر تفسيره ومعناه.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٧)
(ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا)
أي أتبعنا نوحاً وإبراهيم رسُلًا بعْدَهمْ.
(وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ).
جاء في التفسير أن الِإنجيل آتاه اللَّه عيسى جمْلَةً واحدةً.
وقوله (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً).
ويجوز رآفة على وزن السماحة، حكى أبو زيد أنه يقال: رَؤُفْت بالرجل
رَأفَةً، وهي القِراءة.
وقد قرئَت ورآفَة.

وقوله: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ).
هذه الآية صعبة في التفسير.
ومعناها - واللَّه أعلم - يحتمل ضَربَيْن:
أحَدُهُمَا أن يكون المعنى في قوله: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا) ابتدَعوا رهبانية كما
تقول: رأيت زيداً، وعمراً أكرمتُه، وتكون (مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيهِمْ) معناه لم نكتبها عليهم ألبتَّةَ، ويكون (إلا ابْتغَاءَ رضوان الله) بَدَلًا - من الهاء والألف، فيكون المعنى ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رِضْوَانِ اللَّه، وابتغاءُ رضوان اللَّه اتبَاعُ مَا أمَرَ بِه.
فَهذا - واللَّه أعلم - وجه.
وفيها وجه آخر في (ابْتَدَعُوهَا).
جاء في التفسير أنَّهُمْ كانوا يَرَوْنَ من مُلُوكهم ما لا يَصْبِرُونَ عليهِ فاتخذوا
أسراباً وصَوَامِعَ.
فابتدعوا ذلك، فلما ألزمرا أنْفُسَهُم ذلك التطوع ودَخَلُوا فيه
لزمهم [إِتمامه]، كما أن الِإنسان إذا جعل على نفسه صوماً لم يُفْتَرَض عليه لزمه أنْ يُتِمَّهُ.
وقوله عزَّ وجلَّ: (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا).
على ضربين - واللَّه أعلم -:
أحدهما أن يكونوا قصَّروا فيما ألزموه أنْفُسَهُم.
والآخر وهو أجود أن يكونوا حين بُعِثَ النبي - ﷺ - فلم يؤمنوا به كانوا تاركين لطاعة اللَّهِ، فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها. ودليل ذلك قوله عزَّ وجلَّ: (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ).
أي الذين آمنوا منهم بالنبي عليه السلام.