
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ قفينا على آثَارهم برسلنا﴾ أَي: أتبعنا.
وَقَوله: ﴿وقفينا بِعِيسَى ابْن مَرْيَم وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل﴾ أَي: أعطيناه الْإِنْجِيل جملَة.
وَقَوله: ﴿وَجَعَلنَا فِي قُلُوب الَّذين اتَّبعُوهُ رأفة وَرَحْمَة﴾ الرأفة: أَشد الرَّحْمَة، وَالْمرَاد بهؤلاء: هم الَّذين بقوا على دين الْحق، وَلم يُغيرُوا وَلم يبدلوا بعد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَوله: ﴿ورهبانية ابتدعوها﴾ أَي: وابتدعوها رَهْبَانِيَّة من تِلْقَاء أنفسهم، والرهبانية هِيَ مَا ابتدعوها من السياحة فِي البراري (والمفاوز). قيل: هُوَ التفرد فِي الديار والصوامع لِلْعِبَادَةِ. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَا رَهْبَانِيَّة فِي الْإِسْلَام ". وَفِي رِوَايَة قَالَ: " رَهْبَانِيَّة أمتِي الْجِهَاد فِي سَبِيل الله ". وَفِي الْأَخْبَار: أَن سَبَب ابتداعهم الرهبانية أَن الْمُلُوك بعد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بدلُوا دين عِيسَى، وَقتلُوا الْعباد والأخيار من بني إِسْرَائِيل حِين دعوهم إِلَى الْحق؛ فَقَالَ الأخيار فِيمَا بَينهم وهم الَّذين بقوا إِنَّهُم وَإِن قتلونا لَا يسعنا الْمقَام فِيمَا بَينهم وَالسُّكُوت، فلحق بَعضهم بالبراري وساحوا، وَبنى بَعضهم الصوامع وتفردوا فِيهَا لِلْعِبَادَةِ، فَكَانَ أصل الرهبانية بِهَذَا السَّبَب.
وَقَوله: ﴿مَا كتبناها عَلَيْهِم﴾ أَي: مَا فرضناها عَلَيْهِم.

﴿أجرهم وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ (٢٧) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ وَيغْفر لكم وَالله غَفُور رَحِيم (٢٨) لِئَلَّا﴾
وَقَوله: ﴿إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله﴾ انتصب لمَحْذُوف، والمحذوف: مَا ابتدعوها إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله.
وَقَوله: ﴿فَمَا رعوها حق رعايتها﴾ أَي: مَا قَامُوا كَمَا يجب الْقِيَامَة بهَا.
وَقَوله: ﴿فآتينا الَّذين آمنُوا مِنْهُم أجرهم﴾ أَي: ثوابهم، وهم الَّذين آمنُوا بِمُحَمد بعد أَن ترهبوا.
وَقَوله: ﴿وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ﴾ أَي: الَّذين بقوا على الْكفْر.