آيات من القرآن الكريم

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

وقرأ أبو العالية وابن السّميقع بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ. وَقَرَأَ نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ بِضَمِّهِمَا، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أَيْ: وَمَنْ يُعْرِضْ عن الإنفاق فإن الله غنيّ مَحْمُودٌ عِنْدَ خَلْقِهِ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ.
قَرَأَ الجمهور هو الغني بإثبات ضمير الفصل. قرأ نافع وابن عامر فإن الله الغني الحميد بِحَذْفِ الضَّمِيرِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ يَقُولُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها قال: نخلقها لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ مِنْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُبْرَأَ الْأَنْفُسُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ في الشعب عنه أيضا في قوله: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ الْآيَةَ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَحْزَنُ وَيَفْرَحُ، وَلَكِنْ مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ جَعَلَهَا صَبْرًا، وَمَنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ جَعَلَهُ شُكْرًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يُرِيدُ مَصَائِبَ الْمَعَاشِ، وَلَا يُرِيدُ مصائب الدين، إنه قال: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَصَائِبِ الدِّينِ، أَمَرَهُمْ أن يأسوا على السيئة ويفرحوا بالحسنة.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
قَوْلُهُ: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ أَيْ: بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَيِّنَةِ وَالشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ الْمُرَادُ الْجِنْسُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كِتَابُ كُلِّ رَسُولٍ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ قال قتادة ومقاتل ابن حَيَّانَ: الْمِيزَانُ: الْعَدْلُ، وَالْمَعْنَى: أَمَرْنَاهُمْ بِالْعَدْلِ، كَمَا في قوله: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ «١» وَقَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ
«٢» وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ مَا يُوزَنُ بِهِ وَيُتَعَامَلُ بِهِ، وَمَعْنَى لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ لِيَتَّبِعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْعَدْلِ فَيَتَعَامَلُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالنَّصَفَةِ، وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِيزَانِ الْعَدْلُ، وَمَعْنَى إِنْزَالِهِ: إِنْزَالُ أسبابه وموجباته. وعلى القول

(١). الرّحمن: ٧.
(٢). الشورى: ١٧.

صفحة رقم 212

بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْآلَةُ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا فَيَكُونُ إِنْزَالُهُ بِمَعْنَى إِرْشَادِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَإِلْهَامِهِمُ الْوَزْنَ بِهِ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ مِنْ بَابِ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا...................
وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ أَيْ خَلَقْنَاهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «١» وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنَ الْمَعَادِنِ وَعَلَّمَ النَّاسَ صَنْعَتَهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ نَزَلَ مَعَ آدَمَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ لِأَنَّهُ تُتَّخَذُ مِنْهُ آلَاتُ الْحَرْبِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: يُمْتَنَعُ بِهِ وَيُحَارَبُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تُتَّخَذُ مِنْهُ آلَةٌ لِلدَّفْعِ وَآلَةٌ لِلضَّرْبِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فِيهِ جُنَّةٌ وَسِلَاحٌ، وَمَعْنَى وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِثْلِ السِّكِّينِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ وَآلَاتِ الزِّرَاعَةِ والنجارة والعمارة وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: «لِيَقُومَ النَّاسُ» أَيْ:
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا وَفَعَلْنَا كَيْتَ وَكَيْتَ لِيَقُومَ النَّاسُ وَلِيَعْلَمَ، وَقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلَى عِلَّةٍ مُقَدَّرَةٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ:
ليستعلموه وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ بِنُصْرَةِ دِينِهِ وَرُسُلِهِ فَمَنْ نَصَرَ دِينَهُ وَرُسُلَهُ عَلِمَهُ نَاصِرًا، ومن عصى علمه بخلاف ذلك وبالغيب فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَنْصُرُهُ أَوْ مِنْ مَفْعُولِهِ، أَيْ: غَائِبًا عَنْهُمْ أَوْ غَائِبِينَ عَنْهُ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ أَيْ: قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ غَالِبٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَنْصُرَهُ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِهِ وَيَنْصُرَ رُسُلَهُ، بَلْ كَلَّفَهُمْ بذلك لينتفعوا به إذا امتثلوا، ويحصل له مَا وَعَدَ بِهِ عِبَادَهُ الْمُطِيعِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ إِرْسَالَ الرُّسُلِ إِجْمَالًا أَشَارَ هُنَا إِلَى نَوْعِ تَفْصِيلٍ، فَذَكَرَ رِسَالَتَهُ لِنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ، وَكَرَّرَ الْقَسَمَ لِلتَّوْكِيدِ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ أَيْ: جَعَلْنَا فِيهِمُ النُّبُوَّةَ وَالْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: جَعَلَ بَعْضَهُمْ أَنْبِيَاءَ وَبَعْضَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ أَيْ: فَمِنَ الذُّرِّيَّةِ مَنِ اهْتَدَى بِهُدَى نوح وإبراهيم، وقيل: المعنى: فمن الرسل إِلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِ الْأَنْبِيَاءِ مُهْتَدٍ بِمَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْهُدَى وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خَارِجُونَ عَنِ الطَّاعَةِ ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا أَيِ: أَتْبَعْنَا عَلَى آثَارِ الذُّرِّيَّةِ أَوْ عَلَى آثَارِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ بِرُسُلِنَا الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ إِلَى الْأُمَمِ كَمُوسَى وَإِلْيَاسَ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَيْ: أَرْسَلْنَا رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَهُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اشْتِقَاقِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْإِنْجِيلَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِفَتْحِهَا وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ هُمُ الْحَوَارِيُّونَ جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مَوَدَّةً لِبَعْضِهِمُ الْبَعْضَ، وَرَحْمَةً يَتَرَاحَمُونَ بِهَا، بِخِلَافِ الْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا كَذَلِكَ، وَأَصْلُ الرَّأْفَةِ:
اللِّينُ، وَالرَّحْمَةُ: الشَّفَقَةُ، وَقِيلَ: الرَّأْفَةُ أَشَدُّ الرَّحْمَةِ وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها انْتِصَابُ رَهْبَانِيَّةً عَلَى الِاشْتِغَالِ، أَيْ: وَابْتَدَعُوا رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا، وليس بمعطوفة عَلَى مَا قَبْلَهَا، أَيْ: وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِهِمْ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً مُبْتَدَعَةً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ. والأوّل أولى، ورجّحه أبو علي الفارسي غيره، وجملة ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ صفة ثانية لرهبانية، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِكَوْنِهَا مُبْتَدَعَةً مِنْ جِهَةِ أنفسهم، والمعنى: ما فرضناها عليهم،

(١). الزمر: ٦.

صفحة رقم 213

وَالرَّهْبَانِيَّةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْخَوْفُ مِنَ الرَّهْبِ، وَبِالضَّمِّ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الرُّهْبَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ غَلَوْا فِي الْعِبَادَةِ، وحملوا على أنفسهم المشتقات فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَنْكِحِ، وَتَعَلَّقُوا بِالْكُهُوفِ وَالصَّوَامِعِ لِأَنَّ مُلُوكَهُمْ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا وَبَقِيَ مِنْهُمْ نَفَرٌ قَلِيلٌ فَتَرَهَّبُوا وَتَبَتَّلُوا، ذَكَرَ مَعْنَاهُ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ وَالْأَلِفِ فِي كَتَبْنَاهَا، وَالْمَعْنَى: مَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها أَيْ: لَمْ يَرْعَوْا هَذِهِ الرَّهْبَانِيَّةَ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ، بل صنعوها وَكَفَرُوا بِدِينِ عِيسَى، وَدَخَلُوا فِي دِينِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا التَّرَهُّبَ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى دِينِ عِيسَى إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْإِيمَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِعِيسَى وَثَبَتُوا عَلَى دِينِهِ حَتَّى آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خَارِجُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِمَا أُمِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَوَجْهُ الذَّمِّ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الرَّهْبَانِيَّةَ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهَا طَاعَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ يَرْضَاهَا، فَكَانَ تَرْكُهَا وَعَدَمُ رِعَايَتِهَا حَقَّ الرِّعَايَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُبَالَاتِهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ دِينًا. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ: مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا لِيَبْتَغُوا بِهَا رِضْوَانَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ وَفَّقْنَاهُمْ لِابْتِدَاعِهَا فَوَجْهُ الذَّمِّ ظَاهِرٌ. ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِالتَّقْوَى وَالْإِيمَانِ بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ بِتَرْكِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ
أَيْ: نَصِيبَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ بِسَبَبِ إِيمَانِكُمْ بِرَسُولِهِ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ بِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَأَصْلُ الْكِفْلِ: الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يَعْنِي عَلَى الصِّرَاطِ كَمَا قَالَ: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ «١» وَقِيلَ:
الْمَعْنَى: وَيَجْعَلْ لَكُمْ سَبِيلًا وَاضِحًا فِي الدِّينِ تَهْتَدُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: بَلِيغُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَالتَّقْدِيرُ: اتَّقُوا وَآمِنُوا يُؤْتِكُمْ كَذَا وَكَذَا لِيَعْلَمَ الَّذِينَ لَمْ يَتَّقُوا وَلَا آمَنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَ «لَا» فِي قَوْلِهِ: لِئَلَّا زائدة للتوكيد، قاله الفراء والأخفش وغير هما، وأن في قوله: أَلَّا يَقْدِرُونَ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٍ، وَخَبَرُهَا مَا بَعْدَهَا، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولُ يَعْلَمَ، وَالْمَعْنَى: لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَنَالُوا شَيْئًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ الْفَضْلِ الَّذِي تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ، وَجُمْلَةُ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ:
لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقَوْلُهُ: يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ خَبَرٌ ثان لأنّ، أَوْ هُوَ الْخَبَرُ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ هُنَا مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَآمَنُوا بِرَسُولِهِ مِنَ الْأَجْرِ الْمُضَاعَفِ. وَقَالَ الكلبي:

(١). التحريم: ٨.

صفحة رقم 214

هُوَ رِزْقُ اللَّهِ، وَقِيلَ: نِعَمُ اللَّهِ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَقِيلَ: هُوَ الْإِسْلَامُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ «لَا» فِي «لِئَلَّا» غَيْرُ مَزِيدَةٍ، وَضَمِيرَ «لَا يَقْدِرُونَ» لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ. وَالْمَعْنَى: لِئَلَّا يَعْتَقِدَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ النَّبِيُّ وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا أُوتُوهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ «لِكَيْلَا يَعْلَمَ» وقرأ حطّان بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «لِأَنْ يَعْلَمَ» وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ: «لِيَعْلَمَ» وَقُرِئَ: «لِيَلَّا» بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً، وَقُرِئَ بِفَتْحِ اللَّامِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي أَيُّ عُرَى الْإِسْلَامِ أَوْثَقُ؟
قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَفْضَلُ النَّاسِ أَفْضَلُهُمْ عَمَلًا إِذَا فَقُهُوا فِي دِينِهِمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَلْ تَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ أَبْصَرُهُمْ بِالْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا بِالْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى اسْتِهِ، وَاخْتَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً نَجَا مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهَلَكَ سَائِرُهَا، فرقة وازت الْمُلُوكَ وَقَاتَلَتْهُمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَعِيسَى ابْنِ مريم، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الْمُلُوكِ فَأَقَامُوا بَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَدِينِ عِيسَى فَقَتَلَهُمُ الْمُلُوكُ وَنَشْرَتْهُمْ بالمناشير، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الْمُلُوكِ وَلَا بِالْمَقَامِ مَعَهُمْ فَسَاحُوا فِي الْجِبَالِ وَتَرَهَّبُوا فِيهَا وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ:
وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَصَدَّقُونِي وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ الَّذِينَ جَحَدُونِي وَكَفَرُوا بي»
. وأخرج النسائي، والحكيم والترمذي فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
«كَانَتْ مُلُوكٌ بَعْدَ عِيسَى بَدَّلَتِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، فَكَانَ مِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، فَقِيلَ لِمُلُوكِهِمْ: مَا نَجِدُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنْ شَتْمٍ يَشْتُمُنَا هَؤُلَاءِ، إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ «١» وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «٢» فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «٣» مَعَ مَا يَعِيبُونَنَا بِهِ مِنْ أَعْمَالِنَا فِي قِرَاءَتِهِمْ، فَادْعُوهُمْ فَلْيَقْرَءُوا كَمَا نَقْرَأُ وَلْيُؤْمِنُوا كَمَا آمَنَّا، فَدَعَاهُمْ فَجَمَعَهُمْ وَعَرَضَ عليهم القتل، أو ليتركوا التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِلَّا مَا بَدَّلُوا مِنْهُمَا، فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِكَ؟
دَعُونَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْطُونَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا وَلَا نَرُدُّ عَلَيْكُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَنَهِيمُ وَنَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُ مِنْهُ الْوُحُوشُ وَنَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا فِي أَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ابْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي وَنَحْتَفِرُ الْآبَارَ وَنَحْرُثُ الْبُقُولَ فَلَا نَرُدُّ عَلَيْكُمْ وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقَبَائِلِ إِلَّا لَهُ حَمِيمٌ فِيهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها وَقَالَ الْآخَرُونَ مِمَّنْ تَعَبَّدَ من أهل الشرك

(١). المائدة: ٤٤.
(٢). المائدة: ٤٥. [.....]
(٣). المائدة: ٤٧.

صفحة رقم 215

وَفَنِيَ مَنْ فَنِيَ مِنْهُمْ قَالُوا: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ، لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ انْحَطَّ صَاحِبُ الصومعة من صومعته وجاء السائح مِنْ سِيَاحَتِهِ وَصَاحِبُ الدَّيْرِ مِنْ دَيْرِهِ، فَآمَنُوا به وصدّقوه، فقال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ أَجْرَيْنِ بِإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى وَنَصَبِ أَنْفُسِهِمْ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَبِإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَتَصْدِيقِهِمْ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ الْقُرْآنَ وَاتِّبَاعَهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّةً وَرَهْبَانِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي قَوْلِهِ: كِفْلَيْنِ قَالَ: ضِعْفَيْنِ، وَهِيَ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قَالَ:
الْكِفْلُ ثَلَاثُمِائَةِ جُزْءٍ وَخَمْسُونَ جُزْءًا مِنْ رحمة الله.

صفحة رقم 216
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني
الناشر
دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت
سنة النشر
1414
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية