
مطلب أنواع التسبيح والقرض الحسن وما نزل في أبي بكر رضي الله عنه والفتلة في طريقة المولوية والقرض الحسن:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى «سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ١ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (٢) تقدم تفسير مثلها غير مرة واعلم أن التسبيح أقسام: تسبيح العقلاء وهو تنزيه الله تعالى عن كلّ شيء، وعما لا يليق بجنابه وجلاله، وتسبيح النّاميات من ذوات الأرواح قولها بلغتها قال تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الآية ٤٥ من سورة الإسراء ج ١، فالأول بلسان القال والثاني بلسان الحال، والثالث بلسان الهيئة جلت عظمته، وسيأتي لهذا البحث صلة أول سورة الجمعة الآتية فراجعه.وهذا المسبح في كلّ لسان قالي أو حالي أو هيئتي «هُوَ الْأَوَّلُ» بلا ابتداء قبل كلّ شيء «وَالْآخِرُ» بلا انتهاء بعد كلّ شيء «وَالظَّاهِرُ» الذي لا يرى في الدّنيا لكمال ظهوره على كلّ شيء، قال الأبوصيري رحمه الله:
واختفى منهم على قرب مرآه | ومن شدة الظّهور الخفاء |

بصورة مفصلة «يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ» ويتغلغل فيها من البذور والجذور والقطر والثلج والموتى والكنوز «وَما يَخْرُجُ مِنْها» من النّبات والمعادن والسّوائل وغيرها «وَما يَخْرُجُ مِنْها» من النّبات والمعادن والسّوائل وغيرها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ» من الأمطار والصّواعق والخير والشّر والأمر والنّهي وغيرها «وَما يَعْرُجُ فِيها» من الملائكة ويصعد إليها من أعمال الخلق ودعواتهم «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ» يكاؤكم ليل نهار صباح مساء أيقاظا ونياما «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (٤) لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم ونياتكم «لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» (٥) كلها إن التكرار في جملة السّموات والأرض لكل منها مغزى غير الأوّل ومناسبة ومعنى ظاهرين لمن تدبر «يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ» فيدخل أحدهما في الآخر تداخلا ظاهرا غير مرئي محسوسا غير مشهود كالهواء والقوة الكهربائية وحركة الظّل وفلكة المضخات والطّواحين وفلكة المغزل والمهواية حال دورانها وشبهها فإنها كلها موجودة غير مشاهدة «وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» (٦) لا يخفى عليه شيء من دخائلها قال تعالى في ٢٨٥ من البقرة المارة (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) فيا أيها النّاس «آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» إيمانا خالصا «وَأَنْفِقُوا» في سبيله ابتغاء مرضاته «مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ» من المال الذي هو بأيديكم لأنه مال الله، وقد كان بيد غيركم فأهلكهم ونقله إليكم، فأنتم الآن خلفاء الله عمن مضى من قبلكم ووكلاؤه على ما أودعه لديكم، فأنفقوا على من بقي من أبناء جنسكم من عيال الله قبل أن يسلبه منكم لأنه مسلوب لا محالة كما قيل:
ويكفيك قول النّاس فيما ملكته | لقد كان هذا مرة لفلان |
وما المال والأهلون إلّا وديعة | ولا بد يوما أن ترد الودائع |

لوجه الله على الفقراء والمساكين «لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ» أكبر من كلّ شيء عدا الإيمان الخالص «وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» وتنفقون مما من به عليكم «وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ» وتخلصوا له العبادة، فأي عذر لكم في عدم إجابته «وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ» على الإيمان به ورسله وكتبه والبعث بعد الموت يوم قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) واعترفتم له بذلك راجع الآية ١٧١ من الأعراف في ج ١، فأوفوا أيها النّاس بعهدكم هذا ولا تنقضوا ميثاق ربكم «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (٨) يوما ما لموجب ما فأحرى بكم أن تؤمنوا حالا إذ قامت الحجج على بعثة رسولكم محمد ووجوده كاف للايمان به وبربه، فلا عذر لمن يريد الإيمان بعد بعثته لدليل آخر لأنه برهان لا مزيد عليه واعلموا أن الله الذي أرسله إليكم «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ» المشار إليه محمد «آياتٍ بَيِّناتٍ» من كلامه القديم الأزلي «لِيُخْرِجَكُمْ» بها إذا اتبعتموها «مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» من الكفر إلى الإيمان «وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ» (٩) ولذلك يحب إيمانكم رأفة بكم لخلاصكم من النّار وإدخالكم الجنّة «وَما لَكُمْ» أيها النّاس وأي عذر يمنعكم «أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» مما خولكم به من النّعم والحبوب والذهب والفضة دون حول منكم ولا قوة، وأي شيء حدا بكم حتى بخلتم بالعفو من أموالكم على إخوانكم وأقاربكم وفقرائكم ولم تحصلوا على الثواب العظيم عند ربكم في آخرتكم والثناء الجزيل في الدّنيا من أمثالكم قبل أن تموتوا فتحرموا هذا الثناء والثواب، لأنكم لا بد ميتون وتاركون أموالكم ميراثا لغيركم «وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وما فيها لا يأخذ أحد منه شيئا واعلموا يا عباد الله أنه «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ» ومن لم ينفق كما لا يستوون عندكم فلا يستوون عند الله بل بينهما بون شاسع «مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ» الظفر الأوّل الذي هو مبدأ الفتوحات وهو صلح الحديبية الذي رأى المسلمون فيه حيفا وميلا لما فيه من الشّروط المجحفة ولم يعلموا أن عاقبته خير وأن الانفجار لا يحصل إلّا من الضّيق وأن الفرج لا يكون غالبا إلّا بعد الشّدة واليسر بعد العسر ولذلك سماء الله فتحا وفيه بشارة إلى فتح مكة له ﷺ وهو الفتح العظيم، ولهذا قال
صفحة رقم 8