
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا لكم أَلا تنفقوا فِي سَبِيل الله﴾ مَعْنَاهُ: أَي: فَائِدَة لكم إِذا تركْتُم الْإِنْفَاق فِي سَبِيل الله، وَأَمْوَالكُمْ تصير إِلَى غَيْركُمْ؟ وَالْمعْنَى: هُوَ الْإِنْكَار، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلم لَا تنفقون أَمْوَالكُم لتصلوا بهَا إِلَى ثَوَاب الله، وَهِي لَا تبقى لكم إِذا لم تنفقوا؟
وَقَوله: ﴿وَللَّه مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ هُوَ إِشَارَة إِلَى مَا بَينا من قبل.

﴿أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا وكلا﴾
وَقَوله: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل﴾ أَي: لَا يَسْتَوِي من أنْفق وَقَاتل قبل فتح مَكَّة، وَمن أنْفق وَقَاتل بعد فتح مَكَّة. وَإِنَّمَا لم يستويا؛ لِأَن أَصْحَاب النَّبِي نالهم من التَّعَب وَالْمَشَقَّة وَالْمَكْرُوه والشدة قبل الْفَتْح مَا لم ينلهم بعده. وَذكر الْكَلْبِيّ أَن الْآيَة نزلت فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقد ورد فِي بعض المسانيد عَن ابْن عمر " أَن النَّبِي كَانَ جَالِسا وَعِنْده أَبُو بكر الصّديق، وَعَلِيهِ عباءة قد خللها فِي صَدره؛ فجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ للنَّبِي: يَقُول الله تَعَالَى: سلم على أبي بكر، وَقل لَهُ: أراض أَنْت عني فِي فقرك أم ساخط؟ فَقَالَ النَّبِي لأبي بكر: هَذَا جِبْرِيل يُقْرِئك من رَبك السَّلَام، وَيَقُول كَذَا، فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ: بل أَنا رَاض عَن رَبِّي، بل أَنا رَاض عَن رَبِّي ".
وَذكر النقاش أَن الْآيَة نزلت فِي عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ قد جهز جَيش الْعسرَة، وَأعْطى سَبْعمِائة وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَأعْطى سبعين فرسا، وَكَانَ أَعْطَاهَا بآلاتها.
وَفِي رِوَايَة: جَاءَ بِخَمْسَة آلَاف دِينَار وصبها بَين يَدي النَّبِي، فَجعل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يقلبها بِيَدِهِ وَيَقُول: " مَا ضرّ عُثْمَان مَا يفعل بعد هَذَا ".
وَقَوله: ﴿أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا﴾ قد بَينا الْمَعْنى فِي ذَلِك.

﴿وعد الله الْحسنى وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير (١٠) من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا﴾
وَقَوله: ﴿وكلا وعد الله الْحسنى﴾ أَي: الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾ أَي: عَالم، وَالْمعْنَى: أَن الله تَعَالَى وعد جَمِيع الْمُتَّقِينَ الْجنَّة، وَإِن تفاضلوا فِي الدرجَة.