
الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)
شرح الكلمات:
فلولا: أي فهلا وهي للحض على العمل والحث عليه.
إذا بلغت الحلقوم: أي مجرى الطعام وذلك وقت النزع.
وأنتم تنظرون: أي وأنتم أيها الممرضون والعواد تنظرون إليه.
ونحن أقرب إليه منكم: أي ورسلنا ملك الموت وأعوانه أقرب إلى المحتضر منكم.
ولكن لا تبصرون: أي الملائكة.
فلولا إن كنتم غبر مدينين: أي فهلا إن كنتم غير مدينين أي محاسبين بعد الموت.
ترجعونها إن كنتم صادقين: أي ترجعون الروح إلى الجسم بعد وشوك مفارقتها له إن كنتم صادقين في أنكم لا تبعثون ولا تحاسبون.
فأما إن كان: أي الميت.
من المقربين: أي من السابقين وهو الصنف الأول من الأصناف الثلاثة التي تقدمت في أول السورة.
فروح وريحان: أي استراحة وريحان أي رزق حسن وجنة نعيم.
وأما إن كان من أصحاب اليمين: أي من الصنف الثاني فسلام لك يا صاحب اليمين من أصحاب اليمين. أي من إخوانك يسلمون عليك فإنهم في جنات النعيم.
فنزل من حميم: أي فله نزل من ماء حار شديد الحرارة.
وتصلية جحيم: أي احتراق بها.
إن هذا لهو حق اليقين: أي إن هذا الذي قصصناه عليك في هذه السورة لهو حق اليقين.

فسبح باسم ربك العظيم: أي نزه وقدس اسم ربك العظيم.
معنى الآيات:
بعد تقرير النبوة المحمدية وأن القرآن كلام الله وتنزيله عاد السياق الكريم إلى تقرير البعث والجزاء فقال تعالى ١ ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ﴾ أي الروح٢ ﴿الْحُلْقُومَ﴾ وهو مجرى الطعام ﴿وَأَنْتُمْ﴾ في٣ ذلك الوقت ﴿تَنْظُرُونَ﴾ مريضكم وهو يعاني من سكرات الموت، ونحن أقرب إليه منكم أي رسلنا أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون إذ لا قدرة لكم على رؤية الملائكة ما لم يتشكلوا في صورة إنسان. وقوله ﴿فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ أي محاسبين بعد الموت ومجزيين بأعمالكم ترجعونها الروح بعد ما بلغت الحلقوم إن كنتم صادقين في أنكم غير مدينين لله بأعمالكم، أي فلا يحاسبكم عليها ولا يجزيكم بها.
وقوله تعالى ﴿فَأَمَّا إِنْ٤ كَانَ﴾ أي المحتضر من المقربين وهم السابقون ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ ٥ أي فإن له الاستراحة التامة من عناء تعب الدنيا وتكاليفها وريحان وهو الرزق الحسن وجنة نعيم. وأما إن كان من أصحاب اليمين الذين يؤخذ بهم في عرصات القيامة ذات اليمين فسلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين الذين سبقوك إلى دار السلام.
وأما إن كان المحتضر من المكذبين لله ورسوله المنكرين للبعث الآخر الضالين عن الهدى ودين الحق ﴿فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ أي ضيافة على الماء الحار هذه ضيافته وتصلية٦ جحيم أي واحتراق بالجحيم.
وقوله تعالى ﴿إِنَّ هَذَا٧ لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ ٨ أي هذا الذي حدثناك به عن المحتضرين الثلاثة وما لهم وما نالهم لحق اليقين. وقوله ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ يأمر تعالى رسوله بالتسبيح باسم
أما وي ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرت يوماً وضاق بها الصدر٢
(لولا) حرف تحضيض مستعمل هنا في التعجيز، لأن المحضوض إذا لم يفعل ما حض عليه كان عاجزا (وإذا بلغت) ظرف متعلق ب (ترجعونها) مقدم عليه لتهويله والتشويق إلى الفعل المحضوض عليه.
(وأنتم) الجملة الحالية وكذا جملة (ونحن أقرب إليه منكم) حالية أيضاً.
٤ الفاء للتفريع إذ ما بعدها من بيان حال من مات من سعادة أو شقاء متفرع عن الموت وانتهاء الحياة.
٥ الروح: الراحة أي: هو في راحة ونعيم، وعلى قراءة روح بضم الراء فالمعنى: أن روح المؤمن معها الريحان وهو الطيب والريحان شجر لورقه وقضبانه رائحة ذكية طيبة.
٦ التصلية: مصدر صلاه المشدد: إذا أحرقه وشواه يقال: صلى اللحم تصلية: إذا شواه والجحيم: النار المؤججة، وهو علم على جهنم دار العذاب.
٧ هذه الجملة تذييل لجميع ما تقدم في هذه السورة من وعد ووعيد واستدلال على تقرير النبوة والبعث والتوحيد ويدخل فيه دخولا أولياً الأقرب ذكراً وهو ما ذكر في التفسير.
٨ اشتملت جملة: (إن هذا لهو حق اليقين) على أربع مؤكدات وهي: إن، ولام الابتداء، وضمير الفصل، وإضافة شبه المترادفين وهما: الحق واليقين، وخامس وهو الجملة الاسمية لإفادتها الدوام والثبوت.

سورة الحديد
مدنية
وآياتها تسع وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ صفحة رقم 257