آيات من القرآن الكريم

وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
ﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌ

وقوله تعالى: فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً قيل معناه: دائمات البكارة متى عاود الواطئ وجدها بكرا.
والعرب جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها بإظهار محبته، قاله ابن عباس والحسن، وعبر عنهم ابن عباس أيضا بالعواشق، ومنه قول لبيد:

وفي الحدوج عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر
وقال ابن زيد العروب: الحسنة الكلام، وقد تجيء العروب صفة ذم على غير هذا المعنى وهي الفاسدة الأخلاق كأنها عربت ومنه قول الشاعر [ابن الأعرابي] :[الطويل]
وما بدل من أم عثمان سلفع من السود ورهاء العنان عروب
وقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: «عربا» بضم الراء. وقرأ حمزة والحسن والأعمش: «عربا» بسكونها وهي لغة بني تميم، واختلف عن نافع وأبي عمرو وعاصم.
وقوله: أَتْراباً معناه في الشكل والقد حتى يقول الرائي هم أتراب، والترب هو الذي مس التراب مع تربه في وقت واحد. قال قتادة: أَتْراباً يعني سنا واحدة، ويروى أن أهل الجنة على قد ابن أربعة عشر عاما في الشباب والنضرة، وقيل على مثال أبناء ثلاث وثلاثين سنة مردا بيضا مكحلين.
واختلف الناس في قوله: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فقال الحسن بن أبي الحسن وغيره، الأولون: سالف الأمم، منهم جماعة عظيمة أصحاب يمين، والآخرون: هم هذه الأمة، منهم جماعة عظيمة أهل يمين.
قال القاضي أبو محمد: بل جميعهم إلا من كان من السابقين. وقال قوم من المتأولين: هاتان الفرقتان في أمة محمد، وروى ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: «الثلثان من أمتي» فعلى هذا التابعون بإحسان ومن جرى مجراهم ثلة أولى، وسائر الأمة ثلة أخرى في آخر الزمان.
وقوله عز وجل:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤١ الى ٥٠]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)
إعراب قوله: وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ قد تقدم نظيره. وفي الكلام هنا معنى الإنحاء عليهم وتعظيم مصابهم. والسموم: أشد ما يكون من الحر اليابس الذي لا بلل معه. والحميم:
السخن جدا من المائع الذي في جهنم، والعرب تقول للماء السخن حميما. واليحموم: الأسود وهو بناء مبالغة.

صفحة رقم 245

واختلف الناس في هذا الشيء الأسود الذي يظل أهل النار ما هو فقال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد هو الدخان، وهذا قول الجمهور. وقال ابن عباس أيضا: هو سرادق النار المحيط بأهلها، فإنه يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم، وحكى النقاش، أن اليحموم: اسم من أسماء جهنم، وقاله ابن كيسان، وقال ابن بريدة وابن زيد أيضا في كتاب الثعلبي: هو جبل من نار أسود يفزع أهل النار إلى ذراه فيجدونه أشد شيء وأمره.
وقوله: وَلا كَرِيمٍ قال الطبري وغيره معناه: ليس له صفة مدح في الظلال، وهذا كما تقول: ثوب كريم ونسب كريم، يعني بذلك أن له صفات مدح.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يصفه بعدم الكرم على معنى: ألا كرامة لهم، وذلك أن المرء في الدنيا قد يصبر على سوء الموضوع لقرينة إكرام يناله فيه من أحد، فجمع هذا الظل في النار أنه سييء الصفة وهم فيه مهانون. والمترف: المنعم في سرف وتخوض.
ويُصِرُّونَ معناه: يعتقدون اعتقادا لا ينوون عنه إقلاعا، قال ابن زيد: لا يثوبون ولا يستغفرون.
والْحِنْثِ: الإثم ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات له ثلاث من الولد لم يبلغوا الحنث».
الحديث، أراد: لم يبلغوا الحلم فتتعلق بهم الآثام. وقال الخطابي: الْحِنْثِ في كلام العرب العدل الثقيل، شبه الإثم به.
واختلف المفسرون في المراد بهذا الإثم هنا، فقال قتادة والضحاك وابن زيد: هو الشرك، وهذا هو الظاهر. وقال قوم في ما ذكر مكي: هو الحنث في قسمهم الذي يتضمنه قوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ [الأنعام: ١٠٩، النحل: ٣٨، النور: ٥٣، فاطر: ٤٢] الآية في التكذيب بالبعث، وهذا أيضا يتضمن الكفر، فالقول به على عمومه أولى. وقال الشعبي: الْحِنْثِ الْعَظِيمِ: اليمين الغموس.
وقد تقدم ذكر اختلاف القراء في قوله: أَإِذا، وإِنَّا، ويختص من ذلك بهذا الموضع أن ابن عامر يخالف فيه أصله فيقرأ هذا: «أئذا». «أإنا» بتحقيق الهمزتين فيهما على الاستفهام، ورواه أبو بكر عن عاصم في قوله: إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ والعامل في قوله: أَإِذا فعل مضمر يدل عليه قوله: لَمَبْعُوثُونَ تقديره: أنبعث أو نحشر، ولا يعمل فيه ما بعده لأنه مضاف إليه.
وقرأ عيسى الثقفي: «متنا» بضم الميم، وقرأ جمهور الناس: «متنا» بكسرها وهذا على لغة من يقول:
مت أموت على وزن فعل بكسر العين يفعل بضمها، ولم يحك منها عن العرب إلا هذه اللفظة وأخرى هو فضل يفضل.
وقرأ بعض القراء: «أو» بسكون الواو ومعنى الآية استبعاد أن يبعثوا هم وآباؤهم على حد واحد من الاستبعاد وقرأ الجمهور: «أو آباؤنا» بتحريك الواو على أنها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام، ومعناها: شدة الاستبعاد في الآباء، كأنهم استبعدوا أن يبعثوا، ثم أتوا بذكر من البعث فيهم أبعد وهذا بين لأهل العلم بلسان العرب.

صفحة رقم 246
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية