
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) أي والسابقون الذين يتقدمون غيرهم إلى الطاعات- هم الذين اشتهرت أحوالهم، وعرفت فخامة أمورهم، وقد يكون المعنى والسابقون إلى طاعة الله تعالى هم السابقون إلى رحمته سبحانه، فمن سبق فى هذه الدنيا إلى فعل الخير كان فى الآخرة من السابقين إلى دار الكرامة، فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان.
وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» أخرجه أحمد.
(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي أولئك المتصفون بذلك الوصف الجليل (السبق) هم الذين نالوا حظوة عند ربهم، وهم فى جنات النعيم، يتمتعون فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١٣ الى ٢٦]
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧)
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦)

تفسير المفردات
الثلة: الجماعة قلّت أو كثرت، وقيل الجماعة الكثيرة من الناس كما قال:
وجاءت إليهم ثلّة خندفيّة | بجيش كتيّار من السيل مزبد |
ودعوا بالصّبوح يوما فجاءت | به قينة فى يمينها إبريق |
قامت تراءى بين سجفى كلّة | كالشمس يوم طلوعها بالأسعد |
أو درّة صدفيّة غوّاصها | بهج متى يرها يهلّ ويسجد |
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أن الناس يوم القيامة أصناف ثلاثة: سابقون وأصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة- أعقب ذلك بذكر ما يتمتع به السابقون من النعيم فى فرشهم وطعامهم وشرابهم ونسائهم وأحاديثهم التي تدل على صفاء النفس، وأدب الخلق، وسمو العقل. صفحة رقم 135

الإيضاح
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي هم جماعة كثيرة من سالفى الأمم وقليل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويستأنس لهذا
بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة».
(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي على سرر منسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت، قال الأعشى فى وصف الدرع:
ومن نسج داود موضونة | تسير مع الحىّ عيرا فعيرا |
ثم ذكر ما هم فيه من ترف ونعيم، وأنهم مخدومون فى شرابهم وطعامهم، مكفيون مئونة ما يريدون فقال:
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي يطوف عليهم غلمان وخدم على صفة واحدة لا يكبرون ولا يتغيرون، فهم دائما على الصفة التي تسر المخدوم إذا رأى الخادم.
(بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) أي يطوفون عليهم بأداة الشراب كاملة من أكواب وأباريق وخمر تجرى من العيون ولا تعصر عصرا فهى صافية نقية لا تنقطع أبدا، وهم يطلبون منها ما يريدون، ولا صداع فى شرابها، ولا ذهاب منها للعقل كما فى خمور الدنيا.
روى عن ابن عباس أن فى خمر الدنيا أربع خصال: السكر والصداع والقيء والبول، نزه الله خمر الجنة عنها».
وبعد أن وصف الشراب وصف الطعام فقال:
(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي ويطوفون بألوان من الفاكهة صفحة رقم 136