
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان﴾ لما ذكر عَذَاب الْكفَّار أتبع ذكر نعيم الْمُؤمنِينَ.
صفحة رقم 332
﴿وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان (٤٦) فَبِأَي ألاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧) ﴾
وَقَوله: ﴿خَافَ مقَام ربه﴾ أَي: قِيَامه بَين يَدي ربه للسؤال والحساب، وَيُقَال: هُوَ من قدر على الذَّنب فَذكر ربه فخاف مِنْهُ وَتَركه. وَعَن عَطِيَّة بن قيس: " أَن الْآيَة وَردت فِي الرجل الَّذِي أوصى بنيه، وَقَالَ: إِذا مت فأحرقوني واسحقوني وذروني فِي الرّيح، لعَلي أضلّ الله، فَفَعَلُوا، فأحياه الله تَعَالَى وَقَالَ: لم فعلت ذَلِك؟ قَالَ: مخافتك، فغفر الله لَهُ ". وَهَذَا خبر صَحِيح.
وَعَن الزبير أَن الْآيَة نزلت فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا محكي عَن عَطاء بن أبي رَبَاح. قَالَ الضَّحَّاك: شرب أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَبَنًا، ثمَّ سَأَلَ عَنهُ، وَكَانَ من غير وَجهه، فاستقاه، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿جنتان﴾ أَي: بُسْتَان. وَيُقَال: بُسْتَان لمسكنه، وبستان لخدمه وحشمه. وَيُقَال: مسكن لَهُ، وبستان لَهُ. وَعَن بَعضهم مَعْنَاهُ: جنَّة عدن، وجنة النَّعيم، وَهَذَا قَول حسن. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: ﴿خَافَ مقَام ربه﴾ أَي: هم بالمعصية فَتَركهَا خوفًا من الله تَعَالَى.
وَقَالَ الْفراء: الجنتان هَاهُنَا بِمَعْنى الْجنَّة الْوَاحِدَة، وَقد ورد هَذَا فِي الشّعْر.
قَالَ الشَّاعِر:
(ومهمهمين فرقدين مرَّتَيْنِ...
وَأَرَادَ بِهِ الْوَاحِدَة. وَقد أنكر عَلَيْهِ ذَلِك. وَقيل: هَذَا ترك الظَّاهِر، وَإِنَّمَا الجنتان بستانان. وَفِي الْخَبَر الْمَشْهُور أَن النَّبِي قَالَ: " جنتان من ذهب آنيتهما وَمَا فيهمَا، وجنتان من فضَّة آنيتهما وَمَا فيهمَا " رَوَاهُ أَبُو مُوسَى.

﴿ذواتا أفنان (٤٨) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٩) فيهمَا عينان تجريان (٥٠) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥١) فيهمَا من كل فَاكِهَة زوجان (٥٢) فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٣) متكئين على فرش بطائنها من إستبرق﴾
صفحة رقم 334