آيات من القرآن الكريم

نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ

وَالْهَشِيمُ: مَا يَبِسَ وَجَفَّ مِنَ الْكَلَأِ وَمِنَ الشَّجَرِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَشْمِ وَهُوَ الْكَسْرُ لِأَنَّ الْيَابِسَ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ سَرِيعَ الِانْكِسَارِ. وَالْمُرَادُ هُنَا شَيْءٌ خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا جَفَّ مِنْ أَغْصَانِ الْعِضَاةِ وَالشَّوْكِ وَعَظِيمِ الْكَلَأِ كَانُوا يَتَّخِذُونَ مِنْهُ حَظَائِرَ لِحِفْظِ أَغْنَامِهِمْ مِنَ الرِّيحِ وَالْعَادِيَةِ وَلِذَلِكَ أُضِيفَ الْهَشِيمُ إِلَى الْمُحْتَظِرِ. وَهُوَ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ: الَّذِي يَعْمَلُ الْحَظِيرَةَ وَيَبْنِيهَا، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْهَشِيمَ وَيُلْقِيهِ عَلَى الْأَرْضِ لِيَرْصِفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سِيَاجًا
لِحَظِيرَتِهِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ هُوَ الْهَشِيمُ الْمَجْمُوعُ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يُسَيَّجَ وَلِذَلِكَ قَالَ: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ وَلَمْ يَقُلْ: كَهَشِيمِ الْحَظِيرَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّشْبِيهِ حَالَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُرْصَفَ وَيُصَفَّفَ وَقَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ مِنْهُ الْحَظِيرَةُ.
وَالْمُحْتَظِرِ: مُفْتَعِلٌ مِنَ الْحَظِيرَةِ، أَيْ مُتَكَلِّفُ عَمَلِ الْحَظِيرَةِ.
وَالْقَوْلُ فِي تَعْدِيَةِ أَرْسَلْنا إِلَى ضمير ثَمُودُ [الْقَمَر: ٢٣] كَالْقَوْلِ فِي أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً [الْقَمَر: ١٩].
[٣٢]
[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : آيَة ٣٢]
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)
تَكْرِيرٌ ثَانٍ بَعْدَ نَظِيرَيْهِ السَّالِفَيْنِ فِي قِصَّةِ قَوْمِ نُوحٍ وَقِصَّةِ عَادٍ تَذْيِيلًا لِهَذِهِ الْقِصَّةِ كَمَا ذُيِّلَتْ بِنَظِيرَيْهِ الْقِصَّتَانِ السَّالِفَتَانِ اقْتَضَى التَّكْرِيرَ مَقَامُ الْاِمْتِنَانِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّدَبُّرِ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّ التَّدَبُّرَ فِيهِ يَأْتِي بِتَجَنُّبِ الضَّلَالِ وَيُرْشِدُ إِلَى مَسَالِكِ الِاهْتِدَاءِ فَهَذَا أَهَمُّ مِنْ تَكْرِيرِ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ [الْقَمَر: ٣٠] فَلذَلِك أوثر.
[٣٣- ٣٥]
[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : الْآيَات ٣٣ إِلَى ٣٥]
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥)
الْقَوْلُ فِي مُفْرَدَاتِهِ كَالْقَوْلِ فِي نَظَائِرِهِ، وَقِصَّةُ قَوْمِ لُوطٍ تَقَدَّمَتْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا.

صفحة رقم 203

وَعَرَّفَ قَوْمَ لُوطٍ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْأُمَّةِ اسْمٌ يُعْرَفُونَ بِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ.
وَلَمْ يُحْكَ هُنَا مَا تَلَقَّى بِهِ قَوْمُ لُوطٍ دَعْوَةَ لُوطٍ كَمَا حُكِيَ فِي الْقِصَصِ الثَّلَاثِ قَبْلَ هَذِهِ، وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَفِي سُورَةِ هُودٍ وَفِي سُورَةِ الْحِجْرِ لِأَنَّ سُورَةَ الْقَمَرِ بُنِيَتْ عَلَى تَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاتِّعَاظِ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي شَاهَدُوهَا وَآثَارِ آيَاتِهِ عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي عَلِمُوا أَخْبَارَهَا وَشَهِدُوا آثَارَهَا، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مُقْتَضٍ لِتَفْصِيلِ أَقْوَالِ تِلْكَ الْأُمَمِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا مُشَابِهًا لِأَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي تَفْصِيلِهِ وَلَمْ تَكُنْ أَقْوَالُ قَوْمِ لُوطٍ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ، فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى حِكَايَةِ مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ تَكْذِيبُ رَسُولِهِمْ وَإِعْرَاضُهُمْ عَنْ نُذُرِهِ. وَالنُّذُرُ تَقَدَّمَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنِ الْإِخْبَارِ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِالنُّذُرِ.
وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ، وَجُمْلَةُ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ.
وَالْحَاصِبُ: الرِّيحُ الَّتِي تَحْصِبُ، أَيْ تَرْمِي بِالْحَصْبَاءِ تَرْفَعُهَا مِنَ الْأَرْضِ لِقُوَّتِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ [٤٠].
وَالِاسْتِثْنَاءُ حَقِيقِيٌّ لِأَنَّ آلَ لُوطٍ مِنْ جُمْلَةِ قَوْمِهِ.
وآلَ لُوطٍ: قَرَابَتُهُ وَهُمْ بَنَاتُهُ، وَلُوطٌ دَاخِلٌ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى. وَقَدْ ذُكِرَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى أَنَّ زَوْجَةَ لُوطٍ لَمْ يُنَجِّهَا اللَّهُ وَلَمْ يُذْكُرْ ذَلِكَ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَوَاقِعِ ذِكْرِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالرَّسُولِ لَا يُعَدُّ مِنْ آلِهِ، كَمَا قَالَ: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ [هود: ٤٦].
وَذَكَرَ بِسَحَرٍ، أَيْ فِي وَقْتِ السَّحَرِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى إِنْجَائِهِمْ قُبَيْلَ حُلُولِ الْعَذَابِ بِقَوْمِهِمْ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ.
وَانْتَصَبَ نِعْمَةً عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ، أَيْ إِنْعَامًا مِنَّا.

صفحة رقم 204
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية