
قال: ﴿وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ﴾ أي: كذبت قريش واتبعت أهواءها. ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾ أي: كل أمر يستقر إن خيراً في الجنة، وإن شراً ففي النار.
أي: ولقد جاء قريشاً من الأخبار والقصص والوعد والوعيد ما فيه متعظ لهم.
قال ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ يعني القرآن. ﴿فَمَا تُغْنِ النذر﴾ أي: فليست تغن النذر لإعراضهم عنها. والنذر جمع نذير أو بمعنى الإنذار، ويجوز أن تكون " ما " استفهاماً. والمعنى فأي شيء يغني النذر عنهم وهم معرضون عنها.
ثم قال فتول عنهم يوم يدع الداع / إلى شيء نكر أي: فأعرض عنهم: تم الكلام

على قوله ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾، ثم ابتدأ فقال ﴿يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ﴾ أي: منكر يخرجون من الأجداث. " فيم " منصوب " بأذكر يوم تخرجون. والأجداث: القبور. ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ كأنهم في انتشارهم من القبور إلى موقف الحساب جراد منتشر.
وقوله ﴿خُشَّعاً أبصارهم﴾ حال من الضمير في (يخرجون من قبورهم) فينتشرون لموقف العرض يوم يد الداع خشعا إبصارهم، أي هي ذليلة خاضعة، ولا يجوز أن يكون حالا من المضمر في عنهم، لأن الأمر بالتوالي في الدنيا، والإخبار بخشوع أبصارهم بعد بعثهم.
وقوله ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ وقال في موضع آخر ﴿يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث﴾ [القارعة: ٣] فذلك صنفان مختلفان، وإنما ذلك لأن كون ذلك في وقتين مختلفين أحدهما عند البعث بالخروج من القبور يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون، فيدخل بعضهم في بعض لا جهة لأحد منهم يقصدها نشبههم عند

ذلك بالفراش لأن الفراش لا جهة يقصدها، وإنما هي بعضها في بعض فلا يزال الناس كذلك حتى يسمعوا المنادي يدعوهم فيقصدونه، فتصير لهم وجهة يقصدونها، فشبههم في هذا الوقت بالجراد المنتشر، وهكذا الجراد لها (وجهة تقصدها) وهي منشرة.
ويروى أن مريم سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم فيه فأطعمها الجراد فدعت للجراد فقالت: اللهم أعشها بغير رضاع (وتابع بنيها بغير شياع، أي: بغير دعاء بينها). ثم قال ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع﴾ قال قتادة: عامدين. وقال أبو عبيدة: مسرعين مقبلين خائفين. ولا يكون الإهطاع إلا مع خوف، ويقال: هطع وأهطع بمعنى أسرع مقبلاً خائفاً.
وقال سفيان شاخصة أبصارهم إلى السماء. وقال ابن عباس ناظرين.