
سورة القمر
وهي مكيَّة بإجماعهم، وقال مقاتل: مكِّيَّة غير آية سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ «١»، وحكي عنه أنه قال: إلاّ ثلاث آيات، أوّلها: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ إلى قوله: وَأَمَرُّ «٢».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١ الى ٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤)حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥)
(١٣٧٣) قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقاً فشُقَّ لنا القمر فرقتين، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن فعلتُ تؤمنون؟» قالوا: نعم، فسأل رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم ربَّه أن يُعطيَه ما قالوا، فانشقَّ القمر فرقتين، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ينادي: «يا فلان يا فلان اشْهَدوا»، وذلك بمكة قبل الهجرة.
(١٣٧٤) وقد روى البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من حديث ابن مسعود قال: انشقّ القمر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم شقّتين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اشْهَدوا». وقد روى حديث الانشقاق جماعةٌ منهم: عبد الله بن عمر وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عباس وأنس بن مالك.
صحيح. أخرجه البخاري ٤٨٦٤ عن مسدد به، من حديث ابن مسعود. وأخرجه البخاري ٣٨٦٩ و ٣٨٧١ ومسلم ٢٨٠٠ ح ٤٤ والترمذي ٣٢٨٥ وأحمد ١/ ٤٤٧ والطبري ٣٢٦٩٤ وابن حبان ٦٤٩٥ والطبراني ٩٩٩٦ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٥ من طرق عن الأعمش به. وأخرجه البخاري ٣٦٣٦ و ٤٨٦٥ والترمذي ٣٢٨٧ وأبو يعلى ٤٩٦٨ وأحمد ١/ ٣٧٧ وأبو يعلى ٤٩٦٨ والبيهقي ٢/ ٢٦٤ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٢٠٦ من طريق ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر به. وورد من حديث جبير بن مطعم أخرجه أحمد ٤/ ٨١- ٨٢ وابن حبان ٦٤٩٧ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٨ والطبري ٣٢٧٠٥. وورد من حديث ابن عمر أخرجه مسلم
__________
(١) القمر: ٤٥.
(٢) القمر: ٤٤- ٤٦.

وعلى هذا جميع المفسرين، إلاّ أن قوماً شذُّوا فقالوا: سيَنْشَقُّ يوم القيامة. وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه نحو ذلك، وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع، ولأن قوله: وَانْشَقَّ لفظ ماض، وحَمْلُ لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل، وليس ذلك موجوداً. وفي قوله: «وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا» دليل على أنه قد كان ذلك. ومعنى اقْتَرَبَتِ: دنت والسَّاعَةُ القيامة. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير، تقديره: انشقَّ القمر واقتربت الساعة. وقال مجاهد: انشقَّ القمر فصار فِرقتين، فثبتت فِرقة، وذهبت فِرقة وراء الجبل. وقال ابن زيد: لمّا انشقَّ القمر كان يُرى نصفُه على قُعيَقِعَانَ، والنصف الآخر على أبي قُبيس.
(١٣٧٥) قال ابن مسعود: لمّا انشقَّ القمر قالت قريش: سحركم ابن أَبي كبشة، فاسألوا السُّفَّار، فسألوهم فقالوا: نعم قد رأيناه، فأنزل الله عزّ وجلّ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ.
قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً أي: آية تدُلُّهم على صدق الرسول، والمراد بها هاهنا: انشقاق القمر يُعْرِضُوا عن التصديق وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ فيه ثلاثة أَقوال: أحدها: ذاهبٌ، من قولهم: مَرَّ الشيءُ واستمرَّ: إذا ذهب، قاله مجاهد وقتادة والكسائي والفراء فعلى هذا يكون المعنى: هذا سِحر، والسِّحر يذهب ولا يثبت. والثاني: شديدٌ قويٌّ، قاله أبو العالية والضحاك وابن قتيبة، قال: وهو مأخوذ من المِرَّة، والمِرَّة: الفَتْل. والثالث: دائمٌ، حكاه الزجّاج.
قوله تعالى: وَكَذَّبُوا يعني كذّبوا النبيّ صلّى الله عليه وسلم وما عاينوا من قُدرة الله تعالى وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ما زيَّن لهم الشيطانُ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن كُلَّ أمْر مستقِرٌّ بأهله، فالخير يستقِرُّ بأهل الخير، والشر يستقِرُّ بأهل الشر، قاله قتادة. والثاني: لكل حديثٍ مُنتهىً وحقيقةٌ، قاله مقاتل.
والثالث: أن قرار تكذيبهم مستقِرّ، وقرار تصديق المصدِّقين مستقِرّ حتى يعلموا حقيقته بالثواب والعقاب، قاله الفراء.
قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَهُمْ يعني أهل مكة مِنَ الْأَنْباءِ أي: من أخبار الأُمم المكذِّبة في القرآن ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ قال ابن قتيبة: أي: مُتَّعَظٌ ومُنتهىً.
قوله تعالى: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ قال الزجّاج: هي مرفوعة لأنها بدل من «ما»، فالمعنى: ولقد جاءهم حكمةٌ بالغةٌ. وإن شئت رفعتهما بإضمار: هو حكمة بالغة. و «ما» في قوله فَما تُغْنِ النُّذُرُ
أخرجه البخاري ٣٨٦٨ عن عبد الله بن عبد الوهاب به. وأخرجه البخاري ٣٦٣٧ وأحمد ٣/ ٢٢٠ والطبري ٣٢٦٩٣ من طرق عن سعيد بن أبي عروبة به. وأخرجه مسلم ٢٨٠٢ والترمذي ٣٢٨٢ وأحمد ٣/ ١٦٥ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة به وأخرجه البخاري ٤٨٦٨ ومسلم ٢٨٠٢ ح ٤٧ وأحمد ٣/ ٢٧٥ والطبري ٣٢٦٩٠ و ٣٢٦٩٢ وأبو يعلى ٢٩٢٩ والطيالسي ٢٤٤٩ من طرق عن شعبة عن قتادة به. وأخرجه البخاري ٣٦٣٧ و ٤٨٦٧ ومسلم ٢٨٠٢ وأحمد ٣/ ٢٠٧ وأبو يعلى ٣١١٣ من طرق عن شيبان عن قتادة به.
صحيح. أخرجه الطبري ٣٢٦٩٩ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٢٦٦ والواحدي في «الأسباب» ٧٧٤ من طريق المغيرة عن أبي الضحى به وإسناده على شرط الصحيح.