
عظيم وهو النار، وقيل: القيامة، وخفّف الحسن وابن كثير كافه. غير هما مثقّل، وقرأ مجاهد (نُكِرَ) على الفعل المجهول أي أنكر.
خُشَّعاً ذليلة أَبْصارُهُمْ وهو نصب على الحال مجازه يخرجون من الأجداث خشعا، وقرأ ابن عباس ويعقوب وحمزة والكسائي وخلف (خاشعا) بالألف على الواحد، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتبارا بقراءة عبد الله وأبي رجاء خاشعة أبصارهم، وقرأ الباقون (خُشَّعاً) بلا ألف على الجمع.
قال الفرّاء وأبو عبيدة: إذا تأخرت الأسماء عن فعلها فلك فيه التوحيد والجمع والتأنيث والتذكير تقول من ذلك: مررت برجال حسن وجوههم، وحسنة وجوههم وحسان وجوههم. قال الشاعر:
وشباب حسن أوجههم... من إياد بن نزار بن معد «١»
فمن وحّد فلأنّه في معنى الجمع، ومن جمع فلأنّه صفات، والصفات اسماء، ومن أنّث فلتأنيث الجماعة، وقال الآخر:
يرمي الفجاج بها الركبان معترضا... أعناق بزلها مزجى لها الجدل «٢»
قال الفرّاء: لو قال: معترضة أو معترضات أو مزجاة أو مزجيات كان كل ذلك جائزا.
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ القبور كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ حيارى، وذكر المنتشر على لفظ الجراد، نظيره كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ.
مُهْطِعِينَ مسرعين منقلبين عامدين إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٩ الى ٢١]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ أي قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحا عليه السّلام وَقالُوا مَجْنُونٌ أي هو مجنون وَازْدُجِرَ أي زجروه عن دعوته ومقالته، وقال مجاهد: استطر جنونا، وقال ابن زيد: اتهموه وزجروه وواعدوه «لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ... لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ».
(٢) جامع البيان للطبري: ٢٧/ ١١٩.

فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ مقهور فَانْتَصِرْ فانتقم لي منهم.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن يوسف، قال: حدّثنا الراوندي، قال: حدّثنا يوسف ابن موسى، قال: حدّثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد عن عبد بن عمير، قال: إن الرجل من قوم نوح ليلقاه فيخنقه حتى يخر مغشيا، فيفيق حين يفيق وهو يقول: رب اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون.
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ منصبّ مندفق ولم يقلع ولم ينقطع أربعين يوما.
قال ابن عباس والقرظي: منفجر من الأرض. يمان: طبق ما بين السماء والأرض. أبو عبيدة: هايل. الكسائي: سائل. قال امرؤ القيس يصف غيثا:
راح تمريه الصبا ثم انتحى | فيه شؤبوب جنوب منهمر «١» |
والماء منهمر والشدّ منحدر | والقصب مضطمر واللون غربيب «٢» |
وقرأ عاصم الجحدري (فالتقى الماءان)، وقرأ الحسن (فالتقى الماوان) بجعل إحدى الألفين واوا. عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ قضي عليهم في أم الكتاب.
قال محمد بن كعب القرظي: كانت الأقوات قبل الأجساد، وكان القدر قبل البلاء، وتلا هذه الآية.
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ ذكر النعت وترك الاسم، مجازه: على سفينة ذات ألواح من الخشب وَدُسُرٍ مسامير، واحدها دسار، يقال منه: دسرت السفينة إذا شددتها بالمسامير، وهذا قول القرظي وقتادة، وابن زيد ورواية الوالبي عن ابن عباس وشهر بن حوشب: هي صدر السفينة سمّيت بذلك لأنها تدسر الماء بجؤجئها، اي تدفع، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، قال: الدسر: كلكل السفينة، وأصل الدسر الجر والدفع، ومنه
الحديث في العنبر «إنما هو شيء دسّره البحر»
، أي دفعه ورمى به، وقال مجاهد: هي عوارض السفينة. الضحّاك: ألواح جانبها، والدسر أصلها وطرفها. ليث بن أبي نجيح عن مجاهد: أضلاعها.
(٢) الصحاح: ١/ ٢٠٢.

تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أي بمرأى منّا. مقاتل بن حيان: بحفظنا، ومنه قول الناس للدموع: عين الله عليك. مقاتل بن سليمان: بوحينا. سفيان: بأمرنا. جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ يعني فعلنا ذلك ثوابا لنوح، ومجاز الآية: لمن جحد وأنكر وكفر بالله فيه، وجعل بعضهم (من) هاهنا بمعنى (ما)، وقال معناه: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ من أيادي الله ونعمائه عند الذين غرقهم، وإليه ذهب ابن زيد، وقيل: معناه عاقبناهم لله ولأجل كفرهم به.
وقرأ مجاهد جَزاءً لِمَنْ كانَ كَفَرَ بفتح الكاف والفاء يعني كان الغرق جزاء لمن يكفر بالله، وكذب رسوله فأهلكهم الله.
وما نجا من الكفّار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء إلى حجزته، وكان السبب في نجاته على ما ذكر أن نوحا عليه السّلام احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقلها، فحمل عوج تلك الخشبة إليه من الشام. فشكر الله تعالى ذلك له ونجّاه من الغرق.
وَلَقَدْ تَرَكْناها يعني السفينة آيَةً عبرة.
قال قتادة: أبقاها الله بباقردى من أرض الجزيرة عبرة وآية، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظرا، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمدا. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متّعظ معتبر وخائف مثل عقوبتهم.
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ أي إنذاري. قال الفرّاء: الإنذار والنذر مصدران تقول العرب:
أنذرت إنذارا ونذرا، كقولك: أنفقت إنفاقا ونفقة، وأيقنت إيقانا ويقينا.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا سهّلنا وهوّنّا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ اي ليتذكر ويعتبر به ويتفكر فيه، وقال سعيد ابن جبير: يسّرنا للحفظ ظاهرا، وليس من كتب الله كتابا يقرأ كله ظاهرا إلّا القرآن. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ متّعظ بمواعظه.
أخبرني الحسن بن محمد بن الحسين، قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي، قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن راهويه قال: حدّثنا أبو عمير بن النحاس ببيت المقدس، قال:
حدّثنا ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب عن مطر الوراق في قول الله سبحانه فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ قال: هل من طالب علم فيعان عليه.
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ شؤم وشرّ مُسْتَمِرٍّ وكان يوم الأربعاء، مستمر: شديد ماض على الصغير والكبير فلم تبق منهم أحدا إلّا أهلكته، وقرأ هارون الأعور نَحْسٍ بكسر الحاء.
تَنْزِعُ النَّاسَ تقلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدقّ رقابهم، قال ابن إسحاق: لمّا هاجت الريح قام نفر من عاد سبعة يسمى لنا منهم ستّة من أشدّ عاد وأجسمها منهم: عمرو بن