آيات من القرآن الكريم

فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

يَقُولُ تَعَالَى: فَتَوَلَّ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِذَا رَأَوْا آيَةً يَعْرِضُونَ وَيَقُولُونَ هَذَا سحر مستمر، أعرض عنهم وانتظرهم يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ أَيْ إِلَى شَيْءٍ مُنْكَرٍ فَظِيعٍ، وَهُوَ مَوْقِفُ الْحِسَابِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ بَلْ وَالزَّلَازِلِ وَالْأَهْوَالِ، خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ أَيْ ذَلِيلَةٌ أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ وَهِيَ الْقُبُورُ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ أَيْ كَأَنَّهُمْ فِي انْتِشَارِهِمْ وَسُرْعَةِ سَيْرِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ إِجَابَةً لِلدَّاعِي جَرادٌ مُنْتَشِرٌ فِي الْآفَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ:
مُهْطِعِينَ أي مسرعين إِلَى الدَّاعِ لَا يُخَالِفُونَ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ أَيْ يَوْمٌ شَدِيدُ الْهَوْلِ عَبُوسٌ قَمْطَرِيرٌ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر: ٩- ١٠].
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٩ الى ١٧]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)
يَقُولُ تَعَالَى: كَذَّبَتْ قَبْلَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا أَيْ صَرَّحُوا لَهُ بِالتَّكْذِيبِ وَاتَّهَمُوهُ بِالْجُنُونِ وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَازْدُجِرَ. أَيْ اسْتُطِيرَ جُنُونًا، وَقِيلَ: وَازْدُجِرَ أي انتهروه وزجروه وتواعدوه لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ «١» [الشُّعَرَاءِ: ١١٦]، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ حَسَنٌ فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ أَيْ إِنِّي ضَعِيفٌ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ فَانْتَصِرْ أَنْتَ لِدِينِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ قال السدي: وهو الْكَثِيرُ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً أَيْ نَبَعَتْ جَمِيعُ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى التَّنَانِيرُ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النِّيرَانِ نَبَعَتْ عُيُونًا، فَالْتَقَى الْماءُ أَيْ مِنَ السَّمَاءِ وَمِنَ الْأَرْضِ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ أَيْ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ كَثِيرٍ لَمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ولا بعده إلا مِنَ السَّحَابِ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ سَحَابٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَالْتَقَى الْمَاءَانِ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ ابْنَ الْكُوَّاءِ سَأَلَ عَلِيًّا عَنِ الْمَجَرَّةِ فَقَالَ:
هِيَ شَرَجُ السَّمَاءِ، وَمِنْهَا فُتِحَتِ السَّمَاءُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْقُرَظِيُّ وقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْمَسَامِيرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جرير «٢»، قال:

(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٥٥١.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٥٥٢، ٥٥٣.

صفحة رقم 441

وَوَاحِدُهَا دِسَارٌ. وَيُقَالُ: دَسِيرٌ كَمَا يُقَالُ حَبِيكٌ وَحِبَاكٌ وَالْجَمْعُ حُبُكٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الدُّسُرُ أَضْلَاعُ السَّفِينَةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ: هُوَ صَدْرُهَا الَّذِي يضرب به الموج. وقال الضحاك: طرفاها وَأَصْلُهَا، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ كلكلها أي صدرها. وَقَوْلُهُ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أَيْ بِأَمْرِنَا بِمَرْأًى مِنَّا وَتَحْتَ حِفْظِنَا وَكَلَاءَتِنَا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ أَيْ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَانْتِصَارًا لنوح عليه السلام.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَى اللَّهُ سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ جِنْسُ السُّفُنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ [يس: ٤١- ٤٢] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَيْ فَهَلْ مَنْ يَتَذَكَّرُ وَيَتَّعِظُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «٢»، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وقال النبي ﷺ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إسحاق أنه سمع رجلا سأل الْأَسْوَدَ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَوْ مُذَّكِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَأُ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. دَالًا «٣». وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَوْلُهُ تعالى: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ أَيْ كَيْفَ كَانَ عَذَابِي لِمَنْ كَفَرَ بِي وَكَذَّبَ رُسُلِي، وَلَمْ يَتَّعِظْ بِمَا جَاءَتْ بِهِ نُذُرِي، وَكَيْفَ انْتَصَرْتُ لَهُمْ وَأَخَذْتُ لَهُمْ بِالثَّأْرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أَيْ سَهَّلْنَا لَفْظَهُ وَيَسَّرْنَا مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَهُ لِيَتَذَكَّرَ النَّاسُ، كَمَا قَالَ: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: ٢٩] وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مَرْيَمَ: ٩٧] قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ يَعْنِي هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَسَّرْنَا تِلَاوَتَهُ عَلَى الْأَلْسُنِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لولا

(١) المسند ١/ ٣٩٥.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٥٤، باب ٢.
(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٥٤، باب ٢، ومسلم في المسافرين حديث ٢٨٠، ٢٨١، وأبو داود في الحروف باب ٢٦، والترمذي في القرآن باب ٤.

صفحة رقم 442
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية