آيات من القرآن الكريم

أَزِفَتِ الْآزِفَةُ
ﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢ ﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪ

قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ في الدُّنيا وَأَحْيا للبعث. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ أي: الصِّنفين الذَّكَرَ وَالْأُنْثى من جميع الحيوانات، مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى فيه قولان: أحدهما: إذا تُراق في الرَّحِم، قاله ابن السائب. والثاني: إذا تُخْلق وتُقَدَّر. وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى وهي الخَلْق الثاني للبعث يوم القيامة.
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى فيه أربعة أقوال: أحدها: أغنى بالكفاية، قاله ابن عباس. والثاني: بالمعيشة، قاله الضحاك. والثالث: بالأموال، قاله أبو صالح. والرابع: بالقناعة، قاله سفيان. وفي قوله: وَأَقْنى ثلاثة أقوال: أحدها: أرْضى بما أعطى، قاله ابن عباس. والثاني: أخْدم، قاله الحسن، وقتادة. وعن مجاهد كالقولين. والثالث: جعل للإنسان قِنْيَةً، وهو أصل مال. قاله أبو عبيدة. قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى قال ابن قتيبة: هو الكوكب الذي يطْلُع بعد الجَوْزاء، وكان ناس من العرب يعبُدونها.
قوله تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى قرأ ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي:
«عاداً الأولى» منوَّنة. وقرأ نافع، وأبو عمرو: «عاداً لُولى» موصولة مدغمة. ثم فيهم قولان: أحدهما:
أنهم قوم هود، وكان لهم عقب فكانوا عاداً الأخرى، هذا قول الجمهور. والثاني: أن قوم هود هم عادٌ الأخرى، وهم من أولاد عادٍ الأولى، قاله كعب الأحبار، وقال الزجاج: وفي «الأولى» لغات، أجودها سكون اللام وإثبات الهمزة، والتي تليها في الجودة ضم اللام وطرح الهمزة، ومن العرب من يقول:
لُولى، يريد: الأُولى، فتطرح الهمزة لتحرّك اللاّم.
قوله تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ أي: مِن قَبْل عادٍ وثمودَ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى من غيرهم، لطول دعوة نوح إيّاهم، وعتوّهم. وَالْمُؤْتَفِكَةَ قُرى قوم لوط أَهْوى أي: أسقط، وكان الذي تولَّى ذلك جبريل بعد أن رفعها، وأتبعهم اللهُ بالحجارة، فذلك قوله: فَغَشَّاها أي: ألبسها ما غَشَّى يعني الحجارة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى هذا خطاب للإنسان، لمّا عدَّد اللهُ ما فعله ممّا يَدلُّ على وحدانيَّته قال:
فبأيِّ نِعم ربِّك التي تدُلُّ على وحدانيَّته تتشكَّك؟ وقال ابن عباس: فبأي آلاءِ ربِّك تكذِّب يا وليد، يعني الوليد ابن المغيرة.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٥٦ الى ٦٢]
هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠)
وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢)
قوله تعالى: هذا نَذِيرٌ فيه قولان: أحدهما: أنه القرآن، نذيرٌ بما أنذرتْ الكتبُ المتقدِّمة، قاله قتادة. والثاني: أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، نذيرٌ بما أنذرتْ به الأنبياءُ، قاله ابن جريج.
قوله تعالى: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أي: دَنَت القيامة، لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ فيه قولان: أحدهما:
إذا غَشِيَت الخَلْقَ شدائدُها وأهوالُها لمْ يَكْشِفها أحد ولم يرُدَّها، قاله عطاء، وقتادة، والضحاك.
والثاني: ليس لعِلْمها كاشف دونَ الله، أي: لا يَعلم عِلْمها إلاّ الله، قاله الفراء، قال: وتأنيث «كاشفة» كقوله: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ «١» يريد: مِن بقاءٍ والعافية والباقية والناهية كُلُّه في معنى المصدر.
وقال غيره: تأنيث «كاشفة» على تقدير: «نفس كاشفة».

(١) الحاقة: ٨.

صفحة رقم 194

قوله تعالى: أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ قال مقاتل: يعني القرآن تَعْجَبُونَ تكذيباً به وَتَضْحَكُونَ استهزاءً وَلا تَبْكُونَ ممّا فيه من الوعيد؟! ويعني بهذا كفار مكة. وَأَنْتُمْ سامِدُونَ فيه خمسة أقوال. أحدها:
لاهون، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الفّراء والزجّاج. قال أبو عبيدة: يقال: دَعْ عنك سُمودَك، أي: لَهْوك. والثاني: مُعْرِضون، قاله مجاهد. والثالث: أنه الغِناء، وهي لغة يمانية، يقولون: اسْمُد لنا، أي: تَغَنَّ لنا، رواه عكرمة عن ابن عباس. وقال عكرمة: هو الغِناء بالحِمْيَريَّة. والرابع: غافلون، قاله قتادة. والخامس: أشِرون بَطِرون، قاله الضحاك.
قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ فيه قولان «١» : أحدهما: أنه سُجود التلاوة، قاله ابن مسعود. والثاني:
سُجود الفرض في الصلاة. قال مقاتل: يعني بقوله: «فاسْجُدوا» : الصلوات الخمس.
وفي قوله: وَاعْبُدُوا قولان: أحدهما: أنه التّوحيد. والثاني: العبادة.

(١) قال ابن العربي رحمه الله في «أحكام القرآن» ٤/ ١٧٢: قال علماؤنا رضي الله عنهم: لم يختلف قول مالك إن سجدة النجم ليست من عزائم القرآن، وأما ابن وهب رآها من عزائمه، وكان مالك يسجدها في خاصة نفسه.
وقال أبو حنيفة والشافعي: هي من عزائم السجود، وهو الصحيح.

صفحة رقم 195
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية