
وأنشد الأخفش:
فإن تنأ عنا ننتقصك وإن تغب | فسهمك مضئوز وأنفك راغم «١» |
دفرى، وذكرى وشعري. قال المؤرخ: كرهوا ضم الضاد وخافوا انقلاب الياء واوا وهو من بنات الياء فكسروا الضاد لهذه العلّة، كما قالوا في جمع أبيض: بيض، والأصل بوض مثل:
حمر وصفر، وأما من قال: ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى.
إِنْ هِيَ يعني هذه الأوثان إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ قرأ العامة بالياء، وقرأ عيسى بالتاء إِلَّا الظَّنَّ في قولهم: إنّها آلهة وإنّها شفعاؤهم وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى لبيان أنّها ليست بآلهة وأن العبادة لا تصلح إلّا لله الواحد القهار.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٤ الى ٣٢]
أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)
أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى اشتهى، وهم الكفار وزعموا أن الأصنام تشفع لهم عند الله، يعني: أتظنون أنّ لهم ما يتمنون من شفاعة الأصنام، ليس كما ظنوا أو تمنوا، بل لله الْآخِرَةُ وَالْأُولى، يعني الدنيا، يعطي ما يشاء ويمنع ما يشاء، لا ما تمنّى الإنسان واشتهى، وهذا كقوله: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ أي لا إله مع الله، وقال ابن زيد: إن كان محمد تمنّى شيئا فأعطاه الله ذلك فلا تنكروه.
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى يعطي من يشاء ما يشاء، ويحرم من يشاء ما يشاء.
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ ممن يعبدونهم هؤلاء الكفار ويزعمون أنهم بنات الله

ويرجون شفاعتهم عند الله. لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى قال الأخفش: الملك موحّد ومعناه الجمع، وهو مثل قوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ.
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ أي كتسمية أو بتسمية الْأُنْثى وَما لَهُمْ وذلك حين قالوا: إنهم بنات الله سبحانه، تعالى الله عن افترائهم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ أي من العذاب شَيْئاً نظيره ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ. يعني أنها لا تشفع لهم، وأن ظنهم لا ينقذهم من العذاب.
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا يعني القرآن، وقيل: الإيمان، وقيل محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ قال الفرّاء: وذلك حين قالوا: إنهم بنات الله، تعالى الله عن افترائهم وازرى بهم بعد ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ دينه وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ اختلفوا في معنى إِلَّا فقال قوم: هو استثناء صحيح، واللمم من الكبائر والفواحش، ومعنى الآية: إلّا ان يلم بالفاحشة ثم يتوب وتقع الوقعة ثم ينتهي، وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن وأبي صالح،
ورواية عطاء عن ابن عباس قال:
هو الرجل يلمّ بالفاحشة ثم يتوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
إن تغفر اللهم تغفر جمّا | وأي عبد لك لا ألمّا «١» |
وقال آخرون: هو استثناء منقطع مجازه: لكن اللمم، ولم يجعل اللمم من الكبائر والفواحش، ثم اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم به، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين: إنما كانوا بالأمس يعملون معنا، فأنزل الله سبحانه هذه الآية، وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه، وروى الوالبي عن ابن عباس، وقال بعضهم: هو صغار الذنوب مثل النظرة والغمزة والقبلة، وهو من ألمّ بالشيء إذا لم يتعمق فيه ولم يلزمه، وهو قول ابن مسعود ومسروق والشعبي وأبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان، ورواية طاوس عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما
قال أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظّه من الزنا أدركه ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان المنطق، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق أو يكذبه، فإن تقدّم بفرجه كان زانيا وإلّا فهو اللمم» [١٣٠] «٢».
(٢) تفسير الطبري: ٢٧/ ٨٧، والمستدرك للحاكم ٢/ ٤٧٠

وقال ابن الزبير وعكرمة وقتادة والضحاك: هو ما بين الحدّين: حدّ الدنيا وعذاب الآخرة، وهي رواية العوفي والحكم بن عيينة عن ابن عباس، وقال الكلبي: اللمم على وجهين، كل ذنب لم يذكر عليه حدّا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة، فذلك الذي تكفره الصلوات ما لم يبلغ الكبائر، والوجه الآخر هو الذنب العظيم يلمّ به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه، وقال مقاتل: اللمم ما بين الحدّين من الذنوب. نزلت في نبهان التمار وقد مضت القصة في سورة آل عمران، وقال عطاء بن أبي رياح: اللمم عباده النفس الحين بن الحين، وقال سعيد بن المسيب:
هو ما لمّ على القلب، اي حظر، وقال محمد بن الحنفية: كل ما هممت به من خير أو شرّ فهو لمم.
ودليل هذا التأويل
الخبر المروي «إنّ للشيطان لمّة، وللملك لمّة، فلمّة الشيطان الوسوسة، ولمّة الملك الإلهام» «١» [١٣١]
وقال الحسين بن الفضل: اللمم: النظرة من غير تعمد، وهو مغفور، فإن أعاد النظر فليس بلمم وهو ذنب، وقال الفرّاء: اللمم: المتقارب من صغار الذنوب، وأصل اللمم والإلمام هو ما يعمله الإنسان المرة بعد المرة، والحين بعد الحين ولا يتعمق فيه ولا يقيم عليه. يقال: ألممت به إذا زرته وانصرفت، إلمام الخيال، قال الأعشى:
ألمّ خيال من قتيلة بعد ما | وهي حبلها من حبلنا فتصرّما «٢» |
أنى ألمّ بك الخيال يطيف | ومطافه لك ذكرة وشغوف |
أخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن النعمان بن عبد السلام الأصفهاني قال: حدّثنا محمد بن عاصم، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا العوام بن حوشب عن عمرو بن مرة عن أبي وائل قال: رأى أبو مسيرة عمرو بن شرحبيل، وكان من أفاضل أصحاب عبد الله في المنام قال: رأيت كأني دخلت الجنة فإذا قباب مضروبة فقلت: لمن هذه؟ فقالوا: لذي الكلاع وحوشب- وكانا ممن قتل مع معاوية- فقلت فأين عمار وأصحابه؟ فقالوا: أمامك، قلت: وقد قتل بعضهم بعضا؟: إنهم لقوا الله سبحانه فوجدوه واسع المغفرة.
(٢) تفسير القرطبي: ١٧/ ١٠٩.