آيات من القرآن الكريم

ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
ﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

عَنْ زَيْدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ساهُونَ خَبَرًا وفِي غَمْرَةٍ ظَرْفٌ لَهُ كَمَا يُقَالُ زَيْدٌ فِي بَيْتِهِ قَاعِدٌ يَكُونُ الْخَبَرُ هُوَ الْقَاعِدَ لَا غَيْرُ وَفِي بَيْتِهِ لِبَيَانِ ظَرْفِ الْقُعُودِ كَذَلِكَ فِي غَمْرَةٍ لبيان ظرف السهو الذي يصحح وَصْفُ الْمَعْرِفَةِ بِالْجُمْلَةِ، وَلَوْلَاهَا لَمَا جَازَ وَصْفُ الْمَعْرِفَةِ بِالْجُمْلَةِ.
وَأَمَّا الْمَعْنَوِيَّةُ: فَهِيَ أَنَّ وَصْفَ الْخَرَّاصِ بِالسَّهْوِ وَالِانْهِمَاكِ فِي الْبَاطِلِ، يُحَقِّقُ ذَلِكَ كَوْنَ الْخَرَّاصِ صِفَةَ ذَمٍّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا الظَّنُّ إِذَا خَرَصَ الْخَارِصُ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْخَرَّاصُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مُفِيدُ نَقْصٍ، كَمَا يُقَالُ فِي خَرَّاصِ الْفَوَاكِهِ وَالْعَسَاكِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْخَرْصُ فِي مَحَلِّ الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينِ فَهُوَ ذَمٌّ فَقَالَ: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ جَاهِلُونَ سَاهُونَ لَا الَّذِينَ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُمْ فِي التَّخْمِينِ وَالْحَزْرِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ساهُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي غَمْرَةٍ يُفِيدُ أَنَّهُمْ وَقَعُوا فِي جَهْلٍ وَبَاطِلٍ وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهِ فَلَمْ يرجعوا عنه. ثم قال تعالى:
[سورة الذاريات (٥١) : آية ١٢]
يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢)
فَإِنْ قِيلَ الزَّمَانُ يُجْعَلُ ظَرْفَ الْأَفْعَالِ وَلَا يُمْكِنُ/ أَنْ يَكُونَ الزَّمَانُ ظرفا لظرف آخر، وهاهنا جُعِلَ أَيَّانَ ظَرْفَ الْيَوْمِ فَقَالَ: أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ وَيُقَالُ مَتَى يَقْدَمُ زَيْدٌ، فَيُقَالُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا يُقَالُ مَتَى يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَالْجَوَابُ التَّقْدِيرُ مَتَى يَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأَيَّانَ يَكُونُ يَوْمُ الدِّينِ، وَأَيَّانَ مِنَ الْمُرَكَّبَاتِ رُكِّبَ مِنْ أَيِّ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الِاسْتِفْهَامُ وَآنَ الَّتِي هِيَ الزَّمَانُ أَوْ مِنْ أَيْ وَأَوَانٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَيُّ أَوَانٍ فَلَمَّا رُكِّبَ بُنِيَ وَهَذَا مِنْهُمْ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا أَيَّانَ يَقَعُ اسْتِهْزَاءٌ وَتَرْكُ الْمَسْؤُولِ فِي قوله يَسْئَلُونَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ يَسْأَلُونَ مَنْ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُمْ لَيْسَ الْجَوَابَ وَإِنَّمَا يَسْأَلُونَ اسْتِهْزَاءً. وقوله تعالى:
[سورة الذاريات (٥١) : آية ١٣]
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)
يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمْ أَيَّانَ يَقَعُ وَحِينَئِذٍ كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا سُؤَالَ مُسْتَفْهِمٍ طَالِبٍ لِحُصُولِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ لَمْ يُجِبْهُمْ جَوَابَ مُجِيبٍ مُعَلِّمٍ مُبِينٍ حَيْثُ قَالَ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ وَجَهْلُهُمْ بِالثَّانِي أَقْوَى مِنْ جَهْلِهِمْ بِالْأَوَّلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ بِالْأَخْفَى، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ مَتَى يَقْدَمُ زَيْدٌ فَلَوْ قَالَ الْمُجِيبُ يَوْمَ يَقْدَمُ رَفِيقُهُ وَلَا يُعْلَمُ يَوْمُ قُدُومِ الرَّفِيقِ، لَا يَصِحُّ هَذَا الْجَوَابُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي صُورَةِ جَوَابٍ، وَلَا يَكُونُ جَوَابًا كَمَا أَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ كَمْ تَعِدُ عِدَاتِي وَتُخْلِفُهَا إِلَى مَتَى هَذَا الْإِخْلَافُ فَيَغْضَبُ وَيَقُولُ إِلَى أَشْأَمِ يَوْمٍ عَلَيْكَ، الْكَلَامَانِ فِي صُورَةِ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ وَلَا الْأَوَّلُ يُرِيدُ بِهِ السُّؤَالَ، وَلَا الثاني يريد به الجواب، فكذلك هاهنا قَالَ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ مُقَابَلَةُ استهزائهم بالإيعاد لا على وجه الإتيان وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ تَمَامُهُ. في قوله تعالى:
[سورة الذاريات (٥١) : آية ١٤]
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)
فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُفْضِي إِلَى الْإِضْمَارِ، نَقُولُ الْإِضْمَارُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِمَا قَبْلَهُ إِلَّا بِإِضْمَارٍ، يُقَالُ وَيُفْتَنُونَ قِيلَ مَعْنَاهُ يُحْرَقُونَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ عَرْضَ الْمُجَرِّبِ الذهب على النار كلمة عَلَى تُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ يُحْرَقُونَ لَكَانَ بِالنَّارِ أَوْ فِي النَّارِ أَلْيَقُ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ هِيَ التَّجْرِبَةُ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ مَنِ اخْتَبَرَهُ وَمِنْ أَنَّهُ تَجْرِبَةُ الْحِجَارَةِ فَعَنَى بِذَلِكَ المعنى مصدر الفتن، وهاهنا يقال: ذُوقُوا

صفحة رقم 164
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية