آيات من القرآن الكريم

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﰖﰗﰘﰙﰚﰛ ﰝﰞﰟﰠﰡﰢ

وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: ٢٢].
وقوله تبارك وتعالى: قالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لِلْإِنْسِيِّ وَقَرِينِهِ مِنَ الْجِنِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يختصمان بين يدي الحق تعالى، فَيَقُولُ الْإِنْسِيُّ يَا رَبِّ هَذَا أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي، وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ: رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أَيْ عَنْ مَنْهَجِ الْحَقِّ، فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أَيْ عِنْدِي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ أَيْ قَدْ أَعْذَرْتُ إِلَيْكُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ، وَأَنْزَلْتُ الْكُتُبَ وَقَامَتْ عَلَيْكُمُ الْحُجَجُ وَالْبَيِّنَاتُ وَالْبَرَاهِينُ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي قَدْ قَضَيْتُ مَا أَنَا قَاضٍ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أَيْ لست أعذب أحدا إلا بذنب أحد ولكن لا أعذب أحد إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٠ الى ٣٥]
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَلِ امْتَلَأْتِ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ تبارك وَعَدَهَا أَنْ سَيَمْلَؤُهَا مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فهو سبحانه وتعالى يَأْمُرُ بِمَنْ يَأْمُرُ بِهِ إِلَيْهَا وَيُلْقَى وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أَيْ هَلْ بَقِيَ شيء تزيدوني؟ هذا هو الظاهر في سِيَاقِ الْآيَةِ وَعَلَيْهِ تَدَلُّ الْأَحَادِيثُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ «١» عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن أبي الأسود، حدثني حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُلْقَى فِي النَّارِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟» حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ: قَطُّ قَطُّ».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يَلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مزيد؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطُّ قَطُّ وَعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ فَيُسْكِنُهُمْ الله تعالى فِي فُضُولِ الْجَنَّةِ» «٣» ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ أَبَانُ الْعَطَّارُ وَسُلَيْمَانُ التيمي عن قتادة بنحوه.

(١) تفسير سورة ٥٠، باب ١.
(٢) المسند ٣/ ٢٣٤.
(٣) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٣٨.

صفحة رقم 377

[حَدِيثٌ آخَرُ] قَالَ الْبُخَارِيُّ «١» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، رَفَعَهُ وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ: «يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ، وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مزيد فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط» ورواه أبو أَيُّوبُ وَهُشَامُ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِهِ.
[طَرِيقٌ أُخْرَى] قَالَ الْبُخَارِيُّ «٢» : وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقْطُهُمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رجله فيها فتقول قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ».
[حَدِيثٌ آخَرُ] قَالَ مُسْلِمٌ «٣» فِي صَحِيحِهِ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ: فِيَّ الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فِيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ فَقَضَى بَيْنَهُمَا فَقَالَ لِلْجَنَّةِ إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ دُونَ الْبُخَارِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عن أبي سعيد رضي الله عنه بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَرَوْحٌ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «افْتَخَرَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ يَا رَبِّ يَدْخُلُنِي الْجَبَابِرَةُ وَالْمُتَكَبِّرُونَ وَالْمُلُوكُ وَالْأَشْرَافُ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ أَيْ رَبِّ يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين فيقول الله تبارك وتعالى لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَقَالَ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا فَيُلْقَى فِي النَّارِ أَهْلُهَا فَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، قَالَ وَيُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، وَيُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَأْتِيَهَا عَزَّ وجل فيضع قدمه عليها فتنزوي وتقول قدني قدني «٥»، وأما الجنة فيبقى

(١) كتاب التفسير تفسير سورة ٥٠، باب ١، وأخرجه الترمذي في الجنة باب ٢٠.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٥٠، باب ١.
(٣) كتاب الجنة حديث ٣٤، ٣٥. [.....]
(٤) المسند ٣/ ١٣.
(٥) قدني، قدني: أي حسبي، حسبي.

صفحة رقم 378

فيها ما شاء تعالى أن يبقى فينشئ الله سبحانه وتعالى لَهَا خَلْقًا مَا يَشَاءُ».
[حَدِيثٌ آخَرُ] وَقَالَ الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثني عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُعَرِّفُنِي اللَّهُ تعالى نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَسْجُدُ سَجْدَةً يَرْضَى بِهَا عَنِّي ثُمَّ أَمْدَحُهُ مِدْحَةً يَرْضَى بِهَا عَنِّي، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ، ثُمَّ تَمُرُّ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ مَضْرُوبٍ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّونَ أَسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ وَالسَّهْمِ وَأَسْرَعَ مِنْ أَجْوَدِ الْخَيْلِ، حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ مِنْهَا يَحْبُو وَهِيَ الْأَعْمَالُ، وَجَهَنَّمُ تَسْأَلُ الْمَزِيدَ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطُّ قَطُّ وَأَنَا عَلَى الْحَوْضِ» قِيلَ: وَمَا الحوض يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ شَرَابَهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ. وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، وَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ لَا يَشْرَبُ مِنْهُ إِنْسَانٌ فَيَظْمَأُ أَبَدًا وَلَا يُصْرَفُ فَيَرْوَى أَبَدًا» «١» وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ عَنْ نَضْرٍ الْخَزَّازِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قَالَ: مَا امْتَلَأَتْ قَالَ تَقُولُ وَهَلْ فِيَّ مِنْ مَكَانٍ يُزَادُ فِيَّ، وَكَذَا رواه الحاكم بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وَهَلْ فِيَّ مَدْخَلٌ وَاحِدٌ قَدِ امْتَلَأْتُ. قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: لَا يَزَالُ يُقْذَفُ فِيهَا حَتَّى تَقُولَ قَدِ امْتَلَأْتُ فتقول: هل مِنْ مَزِيدٍ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوَ هَذَا فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: هَلِ امْتَلَأْتِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَا يَضَعُ عَلَيْهَا قَدَمَهُ فَتَنْزَوِي وَتَقُولُ حِينَئِذٍ هل بقي في مَزِيدٍ يَسَعُ شَيْئًا؟ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَذَلِكَ حِينَ لَا يَبْقَى فِيهَا مَوْضِعٌ يَسَعُ إبرة، والله أعلم.
وقوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ قَالَ قَتَادَةُ وأبو مالك والسدي وَأُزْلِفَتِ أُدْنِيَتْ وَقُرِّبَتْ مِنَ الْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ لَا محالة وكل ما هو آت قريب هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ أي راجع تَائِبٌ مُقْلِعٌ حَفِيظٍ أَيْ يَحْفَظُ الْعَهْدَ فَلَا ينقضه ولا يَنْكُثُهُ، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: الْأَوَّابُ الْحَفِيظُ الَّذِي لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا فَيَقُومُ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ أَيْ مَنْ خَافَ اللَّهَ فِي سِرِّهِ حَيْثُ لا يراه أحد إلا الله عز وجل كقوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل ذكر الله تعالى خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» «٢».
وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أَيْ ولقي الله عز وجل يوم القيامة بقلب منيب سليم إليه خاضع لديه

(١) انظر الدر المنثور ٦/ ١٢٧، ١٢٨.
(٢) أخرجه البخاري في الأذان باب ٣٦، والزكاة باب ١٦، ومسلم في الزكاة حديث ٩١، والترمذي في الزهد باب ٥٣، ومالك في الشعر حديث ١٤، وأحمد في المسند ٢/ ٤٣٩.

صفحة رقم 379

ادْخُلُوها أَيِ الْجَنَّةَ بِسَلامٍ قَالَ قَتَادَةُ سَلِمُوا من عذاب الله عز وجل، وسلم عليهم ملائكة الله، وقوله سبحانه وتعالى: ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ أَيْ يَخْلُدُونَ فِي الْجَنَّةِ فَلَا يَمُوتُونَ أَبَدًا، وَلَا يَظْعَنُونَ أَبَدًا وَلَا يبغون عنها حولا، وقوله جلت عظمته: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها أَيْ مَهْمَا اخْتَارُوا وَجَدُوا مِنْ أَيِّ أَصْنَافِ الْمَلَاذِّ طَلَبُوا أُحْضِرَ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ قَالَ: مِنَ الْمَزِيدِ أَنَّ تَمُرَّ السَّحَابَةُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ فَتَقُولَ: مَاذَا تُرِيدُونَ فَأُمْطِرُهُ لَكُمْ؟ فَلَا يَدْعُونَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَمْطَرَتْهُمْ، قَالَ كثير: لئن أشهدني الله تعالى ذَلِكَ لَأَقُولَنَّ أَمْطِرِينَا جَوَارِيَ مُزَيَّنَاتٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ لَتَشْتَهِي الطَّيْرِ فِي الْجَنَّةِ فَيَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَشْوِيًّا» وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ» «٢» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حسن غريب وزاد: كما يشتهي.
وقوله تعالى: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ كقوله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يُونُسَ:
٢٦] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ أَنَّهَا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ.
وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ أبي اليقظان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ قَالَ: يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ مَرْفُوعًا فَقَالَ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَزْهَرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عن عبد الله بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه يقول: أتى جبرائيل عليه الصلاة والسلام بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ فِيهَا نُكْتَةٌ «٣» إِلَى رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذِهِ؟» فَقَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، فَالنَّاسُ لَكُمْ فِيهَا تَبَعٌ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، وَلَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ لا يوافقها مؤمن، يدعو الله تعالى فيها بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ الْمَزِيدِ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جِبْرِيلُ وما يوم المزيد؟» قال عليه السلام: إن ربك تبارك وتعالى اتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا أَفْيَحَ «٤» فِيهِ كُثُبُ الْمِسْكِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى ما شاء من

(١) المسند ٣/ ٩.
(٢) أخرجه الترمذي في الجنة باب ٢٣، وابن ماجة في الزهد باب ٣٩، والدارمي في الرقاق باب ١١٠.
(٣) النكتة: هي الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه.
(٤) الوادي الأفيح: الواسع.

صفحة رقم 380
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية