
غيرها فكيف كانت تشهد الأيدي والأرجل على الكفرة إلى غير ذلك مما يقتضي أن أجساد الدنيا هي التي تعود. وقال ابن عباس ومجاهد والجمهور، المعنى: ما تنقص من لحومهم وأبشارهم وعظامهم. وقال السدي معنى قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ أي ما يحصل في بطنها من موتاهم، وهذا قول حسن مضمنه الوعيد.
وقال ابن عباس أيضا في ما حكى الثعلبي، معناه: قد علمنا ما تنقص أرض الإيمان من الكفرة الذين يدخلون في الإيمان، وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبل وبعد، وقيل قوله: بَلْ كَذَّبُوا مضمر، عنه وقع الإضراب تقديره: ما أجادوا النظر أو نحو هذا، والذي يقع عنه الإضراب ب بَلْ، الأغلب فيه أنه منفي تقضي بَلْ بفساده، وقد يكون أمرا موجبا تقضي بَلْ بترك القول فيه لا بفساده، وقرأ الجمهور:
«لمّا» بفتح اللام وشد الميم. وقرأ الجحدري: «لما» بكسر اللام وتخفيف الميم، قال أبو الفتح: هي كقولهم: أعطيته لما سأل، وكما في التاريخ: لخمس خلون، ونحو هذا، ومنه قوله تعالى: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها [الأعراف: ١٨٧] ومنه قول الشاعر: [الوافر] إذا هبت لقاربها الرياح و: «المريج» : معناه: المختلط، قاله ابن زيد، أي بعضهم يقول ساحر، وبعضهم كاهن، وبعضهم شاعر إلى غير ذلك من تخليطهم، وكذلك عادت فكرة كل واحد منهم مختلطة في نفسها، قال ابن عباس:
المريج: المنكر. وقال مجاهد: الملتبس، والمريج المضطرب أيضا، وهو قريب من الأول، ومنه الحديث: مرجت عهود الناس ومنه مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان: ٥٣، الرحمن: ١٩] وقال الشاعر [أبو دؤاد] :
مرج الدين فأعددت له | مشرف الحارك محبوك الكتد |
و «الفروج» الفطور والشقوق خلالها وأثناءها، قاله مجاهد وغيره، وحكى النقاش أن هذه الآية تعطي أن السماء مستديرة، وليس الأمر كما حكي، إذا تدبر اللفظ وما يقتضي. و «الرواسي» : الجبال. و «الزوج» :
النوع. و «البهيج» قال ابن عباس وقتادة وابن زيد هو: الحسن المنظر، وقوله عز وجل: تَبْصِرَةً وَذِكْرى منصوب على المصدر بفعل مضمر. و: «المنيب» الراجع إلى الحق عن فكرة ونظر. قال قتادة: هو المقبل بقلبه إلى الله وخص هذه الصنيفة بالذكر تشريفا من حيث هي المنتفعة بالتبصرة والذكرى، وإلا فهذه المخلوقات هي تبصرة وذكرى لكل بشر. وقال بعض النحويين: تَبْصِرَةً وَذِكْرى مفعولان من أجله، وهذا يحتمل والأول أرجح.
قوله عز وجل:
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٩ الى ١٥]
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣)
وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) صفحة رقم 157

قوله تعالى: ماءً مُبارَكاً قيل يعني جميع المطر، كله يتصف بالبركة وإن ضر بعضه أحيانا، فقيه مع ذلك الضر الخاص البركة العامة. وقال أبو هريرة: كان النبي ﷺ إذا جاء المطر فسالت الميازيب قال: «لا محل عليكم العام» وقال بعض المفسرين: ماءً مُبارَكاً يريد به ماء مخصوصا خالصا للبركة ينزله الله كل سنة، وليس كل المطر يتصف بذلك. وَحَبَّ الْحَصِيدِ الحنطة. و: باسِقاتٍ معناه:
طويلات ذاهبات في السماء، ومنه قول ابن نوفل في ابن هبيرة: [مجزوء الكامل مرفّل]
يا ابن الذين لمجدهم... بسقت على قيس فزاره
وروى قطبة بن مالك عن النبي ﷺ أنه قرأ: «باصقات» بالصاد، قال أبو الفتح الأصل: السين وإنما الصاد بدل منه، لاستعلاء القاف. و «الطلع» أول ظهور التمر في الكفرى وهو أبيض منضد كحب الرمان. فما دام ملتصقا بعضه ببعض فهو نَضِيدٌ، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس بنضيد. و: رِزْقاً نصب على المصدر والضمير في: بِهِ عائد على المطر. ووصف البلدة ب «ميت» على تقدير القطر والبلد.
وقرأ الناس «ميتا» مخففا، وقرأ أبو جعفر وخالد «ميّتا» بالتثقيل.
ثم بين تعالى موضع الشبه فقال: كَذلِكَ الْخُرُوجُ، هذه الآيات كلها إنما هي أمثلة وأدلة على البعث. والْخُرُوجُ يريد به من القبور، وَأَصْحابُ الرَّسِّ قوم كان لهم بئر عظيمة وهي الرَّسِّ، وكل ما لم يطو من بئر أو معدن أو نحوه فهو رسّ. وأنشد أبو عبيدة للنابغة الجعدي:
سبقت إلى قرطبا هل... تنابلة يحفرون الرساسا
وجاءهم نبي يسمى حنظلة بن صفوان فيما روي فجعلوه في الرَّسِّ وردموا عليه. فأهلكهم الله، وقال كعب الأحبار في كتاب الزهراوي: أَصْحابُ الرَّسِّ هم أصحاب الأخدود وهذا ضعيف. لأن أصحاب الأخدود لم يكذبوا نبيا، إنما هو ملك أحرق قوما. وقال الضحاك الرَّسِّ: بئر قتل فيها صاحب ياسين، قال منذر وروي عن ابن عباس أنهم قوم عاد.
والْأَيْكَةِ: الشجر الملتف، وهم قوم شعيب، والألف واللام من الْأَيْكَةِ غير معرفة، لأن «أيكة» اسم علم كطلحة يقال أيكة وليكة، فهي كالألف واللام في الشمس والقمر وفي الصفات الغالبة وفي هذا نظر. وقرأ «الأيكة» بالهمز أبو جعفر ونافع وشيبة وطلحة.
وَقَوْمُ تُبَّعٍ هم حمير وتُبَّعٍ- سم فيهم، يذهب تبع ويجيء تبع ككسرى في الفرس وقيصر في الروم، وكان أسعد أبو كرب أحد التبابعة رجلا صالحا صحب حبرين فتعلم منهما دين موسى عليه السلام ثم إن قومه أنكروا ذلك عليه فندبهم إلى محاجة الحبرين، فوقعت بينهم مجادلة، واتفقوا على أن يدخلوا