الأيمان تخرج من رأس مال الميت. وقال أبو حنيفة: تكون في الثلث، وكذلك قال مالك: إن أوصى بها.
والمراعاة في اليسار والإعسار وقت التكفير، لا وقت الحنث، فمن حلف وهو موسر، فلم يكفّر حتى أعسر، أو حنث وهو معسر، فلم يكفّر حتى أيسر، اعتبر وقت الكفارة.
والكفارة بصيام ثلاثة أيام للمعسر، لا الموسر، متتابعات عند الحنفية، ولا يشترط التتابع عند الجمهور، وإنما يستحبّ.
ومن أفطر في أيام الصيام ناسيا، فعليه القضاء عند مالك، ولا قضاء عليه عند الجمهور.
تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)
البلاغة:
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ أريد بالاستفهام الأمر، أي انتهوا، وهو من أبلغ ما ينهى به، لما فيه من الحض على الانتهاء. قال أبو السعود في تفسيره (٢/ ٥٦) : ولقد أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية الكريمة بفنون التأكيد، حيث صدّرت الجملة ب إِنَّما وقرنا بالأصنام والأزلام، وسمّيا رجسا من عمل الشيطان، وأمر بالاجتناب عن عينهما، وجعل ذلك سببا للفلاح، ثم ذكر ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية، ثم أعيد الحث على الانتهاء بصيغة الاستفهام: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟
إيذانا بأن الأمر في الزجر والتحذير قد بلغ الغاية القصوى.
والتعبير بقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ أبلغ من التعبير بلفظ حرم لأنه يفيد التحريم وزيادة وهو التنفير والإبعاد عنه بالكلية، كما في قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ
[الحج ٢٢/ ٣٠].
المفردات اللغوية:
الْخَمْرِ كل شراب مسكر يخامر العقل الْمَيْسِرِ القمار وَالْأَنْصابُ الأصنام وهي حجارة كانت حول الكعبة يذبحون قرابينهم عندها وَالْأَزْلامُ أي قداح الاستقسام: وهي قطع رقيقة من الخشب بهيئة السهام، كانوا يستقسمون بها في الجاهلية، تفاؤلا أو تشاؤما رِجْسٌ خبيث مستقذر حسا أو معنى، إما من جهة الطبع أو من جهة العقل، أو من جهة الشرع كالخمر والميسر، أو من كل تلك الاعتبارات كالميتة لأن النفس تعافها طبعا وعقلا، ويعافها الشرع مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ أي من تزيينه فَاجْتَنِبُوهُ أي تجنبوا فعل الرجس. الْعَداوَةَ تجاوز الحق إلى الأذى وَيَصُدَّكُمْ يمنعكم بالاشتغال بهما وَعَنِ الصَّلاةِ خصها بالذكر تعظيما لها فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ عن إتيانها، أي انتهوا. وَاحْذَرُوا المعاصي فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن الطاعة الْبَلاغُ الْمُبِينُ الإبلاغ الواضح طَعِمُوا ذاقوا طعمه وتلذذوا بالأكل أو الشرب، والمراد أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم. إِذا مَا اتَّقَوْا المحرمات ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثبتوا على التقوى والإيمان وَأَحْسَنُوا العمل وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أي يثيبهم.
سبب النزول:
روى أحمد عن أبي هريرة قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهما، فأنزل الله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ الآية
، فقال الناس: ما حرم علينا، إنما قال: إثم كبير،
وكانوا يشربون الخمر، حتى كان يوم من الأيام، أمّ رجل من المهاجرين أصحابه في المغرب، فخلط في قراءته، فأنزل الله آية أشد منها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ [النساء ٤/ ٤٣].
ثم نزلت آية أشد في ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. قالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فراشهم، وكانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان، فأنزل الله:
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إلى آخر الآية.
وروى النسائي والبيهقي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا، فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر في وجهه ورأسه ولحيته، فيقول: صنع في هذا أخي فلان، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، فيقول: والله لو كان أخي بي رؤفا رحيما ما صنع بي هذا، حتى وقعت الضغائن في قلوبهم، فأنزل الله هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الآية.
فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان، وقد قتل يوم أحد، فأنزل الله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية.
وروى ابن جرير عن جماعة قالوا: نزلت هذه الآية (آية تحريم الخمر) بسبب سعد بن أبي وقاص، وذلك أنه كان لاحى رجلا على شراب لهما، فضربه صاحبه بلحي جمل، ففزر أنفه أو جرحه، فنزلت فيهما.
وروى ابن جرير أيضا وابن مردويه عن سعد أنه قال: صنع رجل من الأنصار طعاما، فدعانا، فشربنا الخمر حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن أفضل منكم، فأخذ رجل من الأنصار لحي جمل (فك جزور) فضرب به أنف سعد، ففزره، فكان سعد أفزر الأنف، فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ.. الآية «١» وروى البخاري عن أنس قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا ينادي، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر هذا الصوت! قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرّمت، فقال: اذهب فأهرقها- وكان الخمر من الفضيخ «٢» - قال: فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم:
قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل الله عز وجل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية.
المناسبة:
لما نهى الله تعالى فيما تقدم: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ إلى قوله: وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وكان من جملة الأمور المستطابة:
الخمر والميسر، بيّن عز وجل أنهما غير داخلين في المحللات، بل في المحرمات «٣».
الحكمة في التدرج بتحريم الخمر: كان العرب في الجاهلية مدمنين الخمر، متعلقين بها أشد التعلق، فلو حرمت عليهم دفعة واحدة، لم يقلع الكثير عنها، وإنما عرّض تعالى بالتحريم في سورة البقرة، ثم في سورة النساء في أوقات الصلاة، فامتنعوا عن شربها نهارا، وشربوها ليلا. روى ابن جرير عن
(٢) الفضيخ: شراب يتخذ من البسر المفضوخ وحده، من غير أن تمسه النار، والمفضوخ:
المشدوخ.
(٣) تفسير الرازي: ١٢/ ٧٩
أبي الميسرة قال: قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في البقرة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة ٢/ ٢١٩] فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في النساء: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ [النساء ٤/ ٤٣] وكان منادي النبي صلّى الله عليه وسلّم ينادي إذا حضرت الصلاة:
لا يقربن الصلاة السكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في المائدة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فقال عمر: انتهينا انتهينا. وفي رواية ابن المنذر عن سعيد بن جبير أن عمر قال: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام؟ بعدا لك وسحقا، فتركها الناس.
التفسير والبيان:
نهى الله تعالى المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر، فقال: يا أيها المؤمنون، إن الخمر وكل شراب مسكر، والقمار بمختلف أنواعه، والأصنام التي تذبح القرابين عندها، والأزلام قداح الاستقسام تفاؤلا وشؤما: قذر سخطه الله وكرهه، وهو من عمل الشيطان أي تحسينه وتزيينه، فاتركوا هذا الرجس، رجاء أن تفوزوا وتفلحوا بتزكية أنفسكم، وسلامة أبدانكم، والتوادّ فيما بينكم.
والخمر: النّيء من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، وهي تطلق في رأي الجمهور على كل شراب مسكر خامر العقل وغطاه، ويرى الحنفية: أن الخمر حرمت، ولم يكن العرب يعرفون الخمر في غير المأخوذ من ماء العنب، فالخمر عندهم اسم لهذا النوع فقط، وما وجد فيه مخامرة العقل من غير هذا النوع لا يسمى خمرا لأن اللغة في رأيهم لا تثبت من طريق القياس، والحرمة عندهم
تتعدى إلى المسكر لأنها معلولة بالإسكار، لا لأن المسكر خمر «١». وهو رأي ابن عمر.
ويرى الجمهور أن الخمر اسم لكل ما خامر العقل وغلبه «٢»، فغير ماء العنب حرام بالنص: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وهذا رأي عمر، قال: إن الخمر حرمت وهي من خمسة أشياء: من العنب والتمر والعسل والشعير والحنطة، والخمر: ما خامر العقل. وهو رأي ابن عباس أيضا،
وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي عن النعمان بن بشر: «إن من الحنطة خمرا، وإن من الشعير خمرا، وإن من الزبيب خمرا، وإن من التمر خمرا، وإن من العسل خمرا»
وقال أيضا فيما رواه الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة: الخمر من هاتين الشجرتين:
النخلة والعنب.
وروى أحمد ومسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه عن ابن عمر: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام».
ورتب الجمهور على رأيهم أن كل المسكرات نجسة بقوله تعالى: رِجْسٌ وأن فيها الحد، وكذلك يرى الحنفية أن المسكر غير المطبوخ وهو السّكر والفضيخ النيء، والباذق: أي النصف المطبوخ، ونقيع الزبيب والتمر غير المطبوخ نجس نجاسة مغلظة كالخمر وهو رأي أبي حنيفة في رواية راجحة عنه لأنه يحرم شرب قليلها وكثيرها، فلا يعفى عنها أكثر من قدر الدرهم، وأما المطبوخ وهو المثلث العنبي أو الطلاء (وهو المطبوخ من ماء العنب إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه) والجمهوري وهو الطلاء الذي يلقى فيه الماء حتى يرق فغير نجس عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
وحرّم محمد الأشربة المسكرة كلها وبرأيه يفتي عند الحنفية،
لقول صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أحمد وأصحاب السنن عن جابر: «ما أسكر كثيره فقليله حرام».
واتفق
(٢) أحكام القرآن لابن العربي: ١/ ١٥٠
الحنفية على أنه لا حدّ بشرب الأشربة المسكرة غير الخمر إلا بالإسكار،
لحديث علي فيما رواه العقيلي: «حرمت الخمر بعينها، والسّكر من كل شراب»
إلا أنه حديث معلول، أو موقوف على ابن عباس.
وإذا صار النبيذ (نبيذ التمر والزبيب) مسكرا صار حراما، فإن لم يتخمر ولم يسكر كالخشاف الطبيعي بنقعه في فترة يومين مثلا فهو حلال.
والميسر حرام أيضا، وكل شيء من القمار فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز،
وورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: «الشطرنج من الميسر»
وكذا النرد إذا كان على مال، فإذا لم يكن الشطرنج أو النرد على مال فإن الجمهور حرموه أيضا لأنه موقع في العداوة والبغضاء، وصادّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وكره الشافعي الشطرنج لما فيه من إضاعة الوقت.
والأنصاب التي هي حجارة حول الكعبة رجس لأنهم كانوا يعظمونها ويذبحون عندها القرابين.
وكذا الأزلام رجس لأنهم كانوا يستقسمون بها، وقد تقدم شرحها في الآية (٣) من سورة المائدة.
والرجس: القذر حسا ومعنى، عقلا وشرعا، والخمر وما ذكر بعدها موصوف بهذا الوصف، مما يقتضي التحريم، وتأكد ذلك بالأمر باجتناب الرجس، وبقوله: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي راجين الفلاح بهذا الاجتناب.
وتحريم الخمر والميسر من عدة نواح: صدّرت الجملة بإنما المفيدة للحصر، وقرنا بالأصنام والأزلام وهي شنيعة قبيحة شرعا وعقلا، وسميا رجسا من عمل الشيطان، وذاك غاية القبح، وأمر باجتناب أعيانهما وهو أشد تنفيرا من مجرد النهي أو لفظ التحريم، ثم جعل اجتنابهما سببا للفلاح والفوز، ثم بيّن الله مضار
الخمر والميسر المعنوية: الشخصية والاجتماعية، فقال: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ... لذا
قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه النسائي عن عثمان بن عفان موقوفا: «الخمر أم الخبائث»
وقال فيما رواه البزار عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: «مدمن الخمر كعابد الوثن»
أي إن الشيطان لا يريد لكم من تعاطي الخمر والميسر إلا الإيقاع في العداوة بأن يعادي بعضكم بعضا بسبب الشراب، والبغضاء بأن يزرع الكراهية والحقد والنفرة من بعضكم، فيتحقق هدفه من التفريق والتشتيت بعد التأليف بالإيمان والجمع بأخوة الإسلام.
ويريد أيضا صرفكم بالسكر المذهب للعقل والاشتغال بالقمار عن ذكر الله الذي تطمئن به القلوب وتسعد به النفوس في الدنيا والآخرة، وعن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي تزكو بها النفوس، وتتطهر القلوب.
فالخمر إذا أذهبت العقل، هانت كرامة الإنسان على غيره، وفقد القدرة على إدراك الخير والبعد عن الشر، هذا فضلا عن أضرار الخمر الصحية في كل أعضاء جهاز الهضم والأعصاب، بل قد يمتد الضرر إلى الأولاد، فينشأ الواحد منهم معتوها ضعيف المدارك، وكثيرا ما أدت الخمر إلى الطلاق وتدمير الأسرة.
والميسر الذي يؤدي إلى الربح بلا عمل ولا تجارة، وخسارة الطرف الآخر يؤجج في النفس نار العداوة والبغضاء، وكثيرا ما تقاتل المتقامران وحدث بينهما السباب والشتم والضرب الشديد.
والخلاصة: للخمر مضار كثيرة: شخصية صحية، واجتماعية بزرع العداوة والبغضاء، ودينية بالصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ومالية بتبديد الأموال في الضار غير النافع. وكذا للقمار أضرار نفسية عصبية بإحداث توتر في الأعصاب وقلق واضطراب، واجتماعية ودينية ومالية كالخمر تماما.
وقد نزل قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ كما تقدم في قبيلتين من
الأنصار شربوا الخمر وانتشوا، فعبث بعضهم ببعض، فلما صحوا، ورأى بعضهم في وجه بعض آثار ما فعلوا، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، فجعل الرجل يقول: لو كان أخي بي رحيما ما فعل هذا بي، فحدثت بينهم الضغائن، فأنزل الله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الآية. ولم يذكر في القرآن تعليل الأحكام الشرعية إلا بإيجاز، أما هنا فإنه فصل في بيان الحكمة أو العلة، فذكر ثلاث حكم، ودل على تحريم الخمر والميسر بأكثر من دلالة ليشير إلى ضررهما وخطرهما.
ثم آكد الله تعالى التحريم وشدد في الوعيد، فقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، وَاحْذَرُوا أي أطيعوا كل ما جاء عن الله والرسول من اجتناب الخمر والميسر وغيرهما من سائر المحرمات، واحذروا ما يصيبكم إذا خالفتم أمرهما من فتنة ووقوع في المهالك في الدنيا، وعذاب في الآخرة إذ لم يحرم الله شيئا إلا لضرره الواضح، كما قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور ٢٤/ ٦٣].
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي فإن أعرضتم ولم تعملوا بما أمرتم به، فإن رسول الله بلغكم، فانقطعت حجتكم، ومن أنذر فقد أعذر، ولم يعد لكم مطمع في التعلل والاعتذار.
ثم أبان الله تعالى حكم الذين ماتوا قبل تحريم الخمر وهم يشربونها فقال:
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا... أي ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات كمن مات قبل تحريم الخمر والميسر كحمزة، ولا على الأحياء الباقين في الحياة الذين شربوا الخمر وأكلوا الميسر قبل التحريم مثل عبد الله بن مسعود إثم ومؤاخذة إذ ليس للتشريع ولا للقانون أثر رجعي، إذا ما اتقوا الله، وآمنوا بما أنزل من الأحكام، وعملوا الصالحات التي شرعت فيما مضى كالصلاة والصيام وغيرهما، ثم اتقوا ما حرّم عليهم بعدئذ، وآمنوا بما أنزل، ثم استمروا على التقوى والإحسان وعمل الصالح من الأفعال، والله يحب المحسنين ويثيبهم على إحسانهم وإخلاصهم وإتقانهم عملهم.
وبهذا يظهر أن المراد بالتقوى والإيمان الأولين: تحصيل أصل التقوى وأصل الإيمان، والمراد بالآخرين منهما الثبات والدوام عليهما، والمقصود بالتقوى الثالثة: اتقاء ظلم العباد وإحسان الأعمال والإحسان إلى الناس بمواساتهم بما رزقهم الله من الطيبات. وتقييد رفع الجناح بالإيمان والتقوى لبيان الواقع، وهو الجواب عن سؤال بشأن مؤمنين خيف أن ينالهم شيء من الإثم.
يعني أن المؤمنين لا جناح عليهم فيما تناولوه من المطعومات والمشروبات المباحات إذا ما اتقوا المحارم، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، وهذا ثناء عليهم، كما أثنى على من مات قبل الصلاة إلى الكعبة في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [البقرة ٢/ ١٤٣].
وقد عرف مما تقدم أن هذه الآية عذر لمن مات وحجة على بقية الناس لأنه لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة: يا رسول الله، فكيف بإخواننا الذين ماتوا، وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر؟ فنزلت.
وقد أراد عمر بعد هذه الآية إقامة الحد على قدامة بن مظعون الجمحي وهو ممن هاجر إلى الحبشة، حين شهد عليه الشهود بأنه شرب الخمر بعد التحريم بهذه الآية، روى الزهري أن الجارود سيد بني عبد القيس وأبا هريرة شهدا على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر، وأراد عمر أن يجلده، فقال قدامة: ليس لك ذلك لأن الله يقول: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله. وأجاب ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا لمن غبر وحجة على الناس لأن الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الآية، ثم قرأ الآية الأخرى، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر، فقال عمر: صدقت ماذا ترون، فرأى علي والصحابة حده، فجلد ثمانين جلدة.
فقه الحياة أو الأحكام:
١- حدث تحريم الخمر في سنة ثلاث بعد الهجرة بعد وقعة أحد التي حدثت في شوال سنة ثلاث من الهجرة، واستظهر ابن حجر أنها حرمت سنة ثمان من الهجرة. وأما حد الخمر فثبت بالسنة النبوية، إما أربعون جلدة وهو رأي الشافعية، وإما ثمانون جلدة وهو رأي الجمهور،
روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: «كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين»
وروى مسلم عن علي رضي الله عنه قال: «جلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلّ سنّة، وهذا أحب إلي».
٢- تضمنت الآية تحريم الخمر وكل مسكر، والميسر وهو القمار بأنواعه، والأنصاب وهي الأصنام أو النرد والشطرنج، والأزلام وهي قداح الاستقسام، يقال: كانت في البيت- أي البيت الحرام- عند سدنة البيت وخدّام الأصنام يأتي الرجل إذا أراد حاجة، فيقبض منها شيئا، فإن كان عليه «أمرني ربي» خرج إلى حاجته، على ما أحب أو كره. قال ابن عطية: ومن هذا القبيل:
هوى الزجر بالطير، وأخذ الفأل في الكتب ونحوه مما يصنعه الناس اليوم.
٣- تم تحريم الخمر على التدرج، كما عرفنا فإنهم كانوا مولعين بشربها، وأول ما نزل في شأنها: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [النحل ١٦/ ٦٧]. ثم نزل يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، قُلْ: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة ٢/ ٢١٩] والمنافع:
هي في تجارتهم، فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس، وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض الناس، وقالوا: نأخذ منفعتها ونترك إثمها، فنزلت هذه الآية لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [النساء ٤/ ٤٣] فتركها بعض
الناس وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها بعض الناس في غير أوقات الصلاة، حتى نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ فصارت حراما عليهم حتى صار يقول بعضهم: ما حرم الله شيئا أشد من الخمر.
وبه يتبين مع ما ذكر في أسباب النزول المتقدمة والأحاديث الواردة: أن شرب الخمر قبل هذه الآية كان مباحا معمولا به معروفا عندهم، بحيث لا ينكر ولا يغيّر، وأن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أقر عليه، وهذا مالا خلاف فيه.
٤- فهم الجمهور من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرّجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكم بنجاستها.
وخالفهم في ذلك ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرم إنما هو شربها. وقد استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طرق المدينة، قال: ولو كانت نجسة، لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، ولنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه، كما
نهى عن التخلي في الطرق.
وأجاب القرطبي: بأن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن لهم سروب «١» ولا آبان يريقونها فيها، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم.
وأيضا فإنه يمكن التحرز منها، فإن طرق المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهرا يعم الطريق كلها، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز عنها.
وقوله تعالى: رِجْسٌ يدل على نجاستها فإن الرجس في اللسان العربي: النجاسة، ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم حتى نجد فيه نصا لتعطلت
الشريعة فإن النصوص فيها قليلة فأي نص يوجد على تنجيس البول والعذرة والدم والميتة وغير ذلك؟ وإنما هي الظواهر والعمومات والأقيسة «١».
٥- دل قوله: فَاجْتَنِبُوهُ على الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه، لا بشرب ولا بيع ولا تخليل ولا مداواة ولا غير ذلك.
بدليل الأحاديث الواردة، منها
ما رواه مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الذي حرم شربها حرّم بيعها».
ومنها ما رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: في التداوي بالخمر: «إنه ليس بدواء ولكنه داء» ردا على طارق بن سويد الجعفي الذي قال: «إنما أصنعها للدواء».
وهذا رأي الأطباء.
لكن أجاز الحنفية التداوي بالخمر والنجاسات والسموم إذا تعينت، وعلم يقينا أن فيها شفاء للضرورة لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام ٦/ ١١٩].
والحقيقة أنه ما أكثر الأدوية وشركات الدواء ومصانعه في عالم اليوم، فإنهم صنعوا لأكثر الأمراض علاجا، فلم يعد الشخص بحاجة أو ضرورة للتداوي بالخمر وغيرها مما حرم الله الانتفاع به وجعله نجسا،
روى البخاري وغيره عن ابن مسعود أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم».
ولا يجوز لمسلم تملك الخمر ولا تمليكها من أحد لأن الشرع نهى عن الانتفاع بها، وأمر باجتنابها.
٦- أجمع المسلمون على تحريم بيع الخمر والدم، وفي ذلك دليل على تحريم بيع
العذرات وسائر النجاسات، وما لا يحل أكله، لذا كره مالك والشافعي وغيرهما بيع زبل الدواب.
٧- إن تخللت الخمر بنفسها طهرت وجاز أكل الخل باتفاق الفقهاء، أما تخليل الخمر فلم يجزه جمهور الفقهاء لأن النّبي صلّى الله عليه وسلّم استؤذن في تخليل خمر ليتيم، فقال: «لا» ونهى عن ذلك، فأراقها وليه عثمان بن أبي العاص. وأباح الحنفية تخليلها وأكل ما تخلل منها بمعالجة، أي بإلقاء شيء فيها، كملح أو غيره لأن التخليل يزيل الوصف المفسد، ويجعل في الخمر صفة الصلاح، والإصلاح مباح.
٨- قال القرطبي: هذه الآية تدل على تحريم اللعب بالنّرد والشطرنج، قمارا أو غير قمار، لقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فكل لهو دعا قليلة إلى كثيرة، وأوقع بينكم العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، وصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حراما مثله. وأيضا فإن ابتداء اللعب يورث الغفلة، فتقوم تلك الغفلة المستوليد على القلب مكان السكر. سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر؟ وعن النرد أهو ميسر؟ فقال: كل ما صدّ عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر «١».
٩- حيثيات التحريم واضحة في الآية: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ... أعلم الله تعالى عباده أن الشيطان إنما يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بيننا بسبب الخمر وغيره، فحذرنا منها ونهانا عنها. وسبب النزول المتقدم في عبث القبيلتين من الأنصار اللتين شربتا الخمر يؤكد هذا.
١٠- قوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا تأكيد للتحريم، وتشديد في الوعيد، وامتثال الأمر، وكفّ عن المنهي عنه. فإن
خالفتم فما على الرسول إلا البلاغ في تحريم ما أمر بتحريمه، وعلى المرسل أن يعاقب أو يثيب بحسب ما يعصى أو يطاع.
١١- دلت آية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ على أن من فعل ما أبيح له حتى مات على فعله، لم يكن له ولا عليه شيء، لا إثم ولا مؤاخذة ولا ذم ولا أجر ولا مدح لأن المباح مستوي الطرفين بالنسبة إلى الشرع، فلا حاجة للتخوف ولا للسؤال عن حال من مات، والخمر في بطنه وقت إباحتها. وهذه الآية نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الأولى، فنزلت:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
١٢- دل حديث البخاري المتقدم عن أنس في سبب نزول هذه الآية المتضمن أن الخمر كان من الفضيخ (المتخذ من البسر) : على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر، وهو نص ولا يجوز الاعتراض عليه لأن الصحابة رحمهم الله هم أهل اللسان، وقد عقلوا أن شرابهم ذلك خمر إذ لم يكن لهم شراب ذلك الوقت بالمدينة غيره.
١٣- ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر نوعه، حرم شربه، قليلا كان أو كثيرا، نيئا كان أو مطبوخا، ولا فرق بين المستخرج من العنب أو غيره، وأن من شرب شيئا من ذلك حدّ. فأما المستخرج من العنب، المسكر النيء: فهو الذي انعقد الإجماع على تحريم قليله وكثيره، ولو نقطة منه. وأما ما عدا ذلك فالجمهور على تحريمه. وخالف أبو حنيفة وأبو يوسف في القليل مما عدا ما ذكر، وهو الذي لا يبلغ الإسكار، وفي المطبوخ المستخرج من العنب، فأباحا القليل غير المسكر. والمعتمد في الفتوى هو رأي محمد رحمه الله بتحريم القليل والكثير من كل مسكر،
للحديث المتقدم الذي رواه النسائي وابن ماجه وغيرهما عن ابن عمرو: «ما أسكر كثيره فقليله حرام».
واتفق الحنفية على أن الحد في غير الخمر لا يجب إلا بالإسكار.