آيات من القرآن الكريم

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٢ الى ٧٥]

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)
يَقُولُ تَعَالَى حَاكِمًا بِتَكْفِيرِ فِرَقِ النَّصَارَى مِنَ الْمَلَكِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ وَالنُّسْطُورِيَّةِ، مِمَّنْ قَالَ مِنْهُمْ: بِأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ علوا كبيرا، هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ نَطَقَ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي الْمَهْدِ أَنْ قَالَ: إِنِّي عبد الله، وَلَمْ يَقِلْ أَنَا اللَّهُ وَلَا ابْنُ اللَّهِ، بَلْ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا إِلَى أَنْ قَالَ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ [مَرْيَمَ: ٣٠- ٣٦] وَكَذَلِكَ قَالَ لَهُمْ فِي حَالِ كُهُولَتِهِ وَنَبُّوتِهِ آمرا لهم بعبادة رَبِّهِ وَرَبِّهِمْ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَقالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ أَيْ فَيَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرَهُ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ أَيْ فَقَدْ أَوْجَبَ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاءِ: ٤٨]. وَقَالَ تَعَالَى: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ [الْأَعْرَافِ: ٥٠]، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي النَّاسِ: إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَفِي لَفْظٍ: مُؤْمِنَةٌ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ عَنْ عَائِشَةَ: الدَّوَاوِينُ ثلاثة، فذكر منه دِيوَانًا لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، والحديث في مسند أحمد، ولهذا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ أَيْ وَمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ نَاصِرٌ وَلَا مُعِينٌ وَلَا مُنْقِذٌ مِمَّا هُوَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْهِسِنْجَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ قَالَ: هُوَ قَوْلُ الْيَهُودِ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقَوْلُ النَّصَارَى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، فَجَعَلُوا اللَّهَ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ، وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ طَائِفَتَا الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي النَّصَارَى خَاصَّةً، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ كُفَّارُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ: وَهُوَ أُقْنُومُ الْأَبِ، وَأُقْنُومُ الِابْنِ، وَأُقْنُومُ الْكَلِمَةِ الْمُنْبَثِقَةِ مِنَ الْأَبِ إِلَى الِابْنِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا

صفحة رقم 142

كبيرا، قال ابن جرير وغيره: والطوائف الثلاثة مِنَ الْمَلَكِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ وَالنُّسْطُورِيَّةِ تَقُولُ بِهَذِهِ الْأَقَانِيمِ، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهِ، وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ تُكَفِّرُ الْأُخْرَى، والحق أن الثلاثة كَافِرَةٌ «١».
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: نَزَلَتْ فِي جَعْلِهِمُ الْمَسِيحَ وَأُمَّهُ إِلَهَيْنِ مَعَ اللَّهِ، فَجَعَلُوا اللَّهَ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، قَالَ السَّدِّيُّ: وَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ [الْمَائِدَةِ: ١١٦] »
، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَظْهَرُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ أَيْ لَيْسَ مُتَعَدِّدًا بَلْ هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لَهُمْ وَمُتَهَدِّدًا وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ أَيْ مِنْ هَذَا الِافْتِرَاءِ وَالْكَذِبِ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أَيْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْأَغْلَالِ وَالنَّكَالِ، ثُمَّ قَالَ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَهَذَا مِنْ كَرَمِهِ تَعَالَى وَجُودِهِ وَلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ مَعَ هَذَا الذَّنْبِ الْعَظِيمِ، وَهَذَا الِافْتِرَاءِ وَالْكَذِبِ وَالْإِفْكِ، يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ إليه تاب عليه.
وقوله تَعَالَى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَيْ لَهُ سَوِيَّةُ أَمْثَالِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُرْسَلِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ الْكِرَامِ، كَمَا قَالَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ [الزُّخْرُفِ: ٥٩]. وَقَوْلُهُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ أَيْ مُؤْمِنَةٌ بِهِ مُصَدِّقَةٌ لَهُ، وَهَذَا أَعْلَى مَقَامَاتِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى نُبُوَّةِ سَارَّةَ أُمِّ إِسْحَاقَ، وَنُبُوَّةِ أُمِّ مُوسَى، وَنُبُوَّةِ أُمِّ عِيسَى، اسْتِدْلَالًا مِنْهُمْ بِخِطَابِ الْمَلَائِكَةِ لِسَارَّةَ وَمَرْيَمَ، وَبِقَوْلِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ [الْقِصَصِ:
٧] وَهَذَا مَعْنَى النُّبُوَّةِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [يُوسُفَ: ١٠٩] وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رحمه الله الإجماع على ذلك.
وقوله تعالى: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ أَيْ يَحْتَاجَانِ إِلَى التَّغْذِيَةِ بِهِ، وَإِلَى خُرُوجِهِ مِنْهُمَا، فَهُمَا عَبْدَانِ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَلَيْسَا بِإِلَهَيْنِ كَمَا زَعَمَتْ فِرَقُ النَّصَارَى الْجَهَلَةِ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ أَيْ نُوَضِّحُهَا وَنُظْهِرُهَا ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أَيْ ثُمَّ انْظُرْ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ وَالْجَلَاءِ أَيْنَ يَذْهَبُونَ، وَبِأَيِّ قَوْلٍ يَتَمَسَّكُونَ، وَإِلَى أَيِّ مَذْهَبٍ مِنَ الضَّلَالِ يَذْهَبُونَ.

(١) قال ابن جرير: وهذا (أي قولهم: إن الله ثالث ثلاثة) قول كان عليه جماهير النصارى قبل افتراق اليعقوبية والملكية والنسطورية. كانوا فيما بلغنا يقولون: الإله القديم جوهر واحد يعمّ ثلاثة أقانيم: أبا والدا غير مولود، وابنا مولودا غير والد، وزوجا متتبّعة بينهما. (تفسير الطبري ٤/ ٦٥٢).
(٢) الأثر عن السدي في تفسير الطبري ٤/ ٦٥٣. [.....]

صفحة رقم 143
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية