
الإله عند المسيحيين [سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٢ الى ٧٦]
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)
المعنى:
بعد أن عدد قبائح اليهود أخذ يذكر شيئا من عقيدة النصارى في الإله! تالله لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وكيف لا يكفرون وقد

ضلوا ضلالا بعيدا جدا، عن العقل والدين إذ هم يقولون: إن الله مركب من ثلاثة أقانيم، أى: أصول: الأب، والابن، وروح القدس.
وقد حل الأب والابن واتحد وكون روح القدس، وكل واحد من هذه الثلاثة عين الآخر، والثلاثة واحد والواحد ثلاثة، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
على أن خلاصة أقوالهم أن الله هو المسيح والمسيح هو الله.
ولقد رد القرآن عليهم: كيف تقولون هذا البهتان وقد قال المسيح ابن مريم: يا بنى إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم، فقد أمرهم بعبادة الله وحده معترفا بأنه ربه وربهم ودعاهم إلى التوحيد الخالص من كل شرك.
وهذا هو عيسى يحذرهم عاقبة الشرك والوثنية: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وما للظالمين لأنفسهم باتخاذ الشركاء والآلهة من نصير ينصرهم ولا شفيع يشفع لهم وينقذهم مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة ٢٥٥] لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، أى: واحد من ثلاثة التي هي الأقانيم الثلاثة.
وما من إله في الوجود يستحق العبادة إلا إله واحد، فرد، صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، سبحانه وتعالى عما يشركون!.
وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم.
أعموا فلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ويرجعون إليه؟ والله كتب على نفسه الرحمة وهو الغفور الرحيم.
أما حقيقة المسيح عيسى بن مريم، فهو رسول كبقية الرسل أيد بالمعجزات الخوارق للعادة كالنبيين السابقين، وكما أيد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بالمعجزة الباقية الخالدة: القرآن.
إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.
[سورة النساء آية ١٧١].

وأما أمه فهي الصديقة الطاهرة نفخ الله فيها من روحه وصدقت بكلمات ربها فكانت من القانتين.
وأما حقيقتها الشخصية والنوعية فمساوية لسائر البشر بدليل أنهما يأكلان الطعام ليقيما به أودهما، ومرت بهما ظروف خاصة وعامة كغيرهما، وهما يذهبان إلى الخلاء ليقضيا حاجتهما فهل يكون أمثال هذين آلهة تعبد؟!! انظر يا من يتأتى منك النظر! كيف نبين لهم الآيات، ثم بعد هذا يغالون في البعد عن المنطق السليم، وكيف يصرفون عن استبانة الحق كأن عقولهم فقدت- بسبب التقاليد- وظيفتها؟!!
خلاصة نظرية القرآن في المسيح
تعرض القرآن الكريم إلى المسيح عيسى ابن مريم وقد غالى فيه أهل الكتاب، فاليهود ينكرون نبوته ويفترون عليه الكذب، ويقولون عليه وعلى أمه البهتان.
والمسيحيون يغالون في رفع عيسى عن البشر، فتارة يجعلونه إلها، أو الآلهة ثلاثة والمسيح بن مريم واحد منهم، وتارة يقولون: هو ابن الله.
فقال القرآن القول الحق، والرأى الوسط في عيسى ابن مريم ذلك في الآيات ٧١، ١٧٢ من سورة النساء وقد مر تفسيرهما، وفي آية ١٧ من سورة المائدة والآيات ٧٢، ٧٣، ٧٤، ٧٥، ٧٦ من السورة نفسها (هذه الآيات كلها مفسرة في هذا الجزء).
وخلاصته أن المسيح عيسى ابن مريم نبي من الأنبياء ورسول الله إلى بنى إسرائيل، وقد خلق بكلمة الله التكوينية، ومؤيد بروح منه تعالى، وهو عبد الله وخاضع له ولن يستنكف من هذا بل ظل يدعو إليه كما في الإنجيل.
وعيسى رسول كبقية الرسل أيد بالمعجزات الموافقة لعصره كأى نبي أرسل، والله يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير.
ولا غرابة في شأن ولادته فهذا آدم وهذه حواء، وهذه أصول الحيوانات جميعا!!! والله- سبحانه وتعالى- هو الدائم الباقي القوى القادر، لا راد لقضائه ولا معقب

لحكمه، إذا أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا، فهل يمنعه مانع! والمسيح نفسه يقول: يا بنى إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم، ثم يحذرهم الشرك وعاقبته، ويبين القرآن أن التثليث خطأ، وما من إله إلا إله واحد، لا إله إلا الله سبحانه وتعالى عما يشركون ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة ١١٧].
على أن المسيح وأمه بشر كبقية البشر إلا أن عيسى رسول من الله وأمه صديقة طاهرة كانا يأكلان الطعام ويذهبان إلى الخلاء، ولهما كل عوارض البشر وصفاتهم، وهما لا يملكان لأنفسهما نفعا ولا ضرا فكيف يعبدان!! هذه هي خلاصة لما في هذه الآيات القرآنية بالنسبة لعيسى ابن مريم. ولقد قرأنا الكثير من الأناجيل فوجدنا فيها آيات متشابهة جعلت النصارى يقولون بالتثليث تارة، وبأن الله هو المسيح مرة أخرى، أما الآيات المحكمة في الإنجيل فلإثبات الوحدانية لله تعالى، ولبيان حقيقة المسيح وهي كما في القرآن مع فارق بسيط جدا (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) وكان للوثنية عند اليونان والرومان والمصريين أثر كبير في انحراف النصارى عن تعاليم المسيح المحكمة، ففي إنجيل مرقص الإصحاح السابع الآية ٧، ٨ (وباطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس. لأنكم تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس).
المتشابه في الإنجيل:
في إنجيل يوحنا الإصحاح الأول العدد ١ (في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله والكلمة الله) وعندهم أن الكلمة هي المسيح، ينتج أن الله هو المسيح كما وصفهم القرآن وكما جاء في الرسالة الأولى ليوحنا الرسول بالإصحاح الخامس والعدد ٧، ٨ (فإن الذين يشهدون في السماء هم الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم الواحد) هذا صريح في عقيدة التثليث.

فيم يشهد الثالوث الأول والثالوث الثاني؟ وما هذا الثالوث الثاني، وما الفرق بين الاثنين؟ بأيهما نؤمن وكيف نستسيغ أن الأب والابن وروح القدس والماء والدم يشهدون؟ وما معنى أن الثلاثة هم واحد أو في الواحد أو بالعكس؟ إن هذا لشيء عجاب، ويمكننا أن نرد على دعواهم ألوهية المسيح من الإنجيل نفسه وهي الآيات المحكمة فيه.
١- في إنجيل متى الرابع والعدد ١٠: (لما جاء الشيطان للمسيح وهو يجربه وقال له:
إن خررت وسجدت لي أعطيك هذه الممالك جميعا، حينئذ قال يسوع: اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد).
وهذه شهادة المسيح بأن الله هو بارئ السموات والأرض وله وحده السجود والعبادة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة).
٢- في إنجيل يوحنا الإصحاح السابع عشر العدد ٣ يقرر المسيح بأنه رسول الله وأنه رسول الإله الحقيقي (وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك، إنك الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته).
وفي الآية الرابعة من الإصحاح نفسه يقول المسيح: (أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتنى لأعمل قد أكملته) إذا هو عبد خاضع لله قدم له العبادة والتمجيدنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
[سورة النساء آية ١٧٢].
٣- والمسيح رسول قد خلت من قبله الرسل له رسالة خاصة ومهمة خاصة إذا أتمها انتهى، يقول بولس الرسول في الرسالة الأولى لأهل كورنثوس الإصحاح الخامس عشر العدد ٢٨: (ومتى أخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه سيخضع للذي أخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل).
٤- المسيح وأمه كانا يأكلان الطعام، ويذهبان إلى الخلاء ولهما أعراض البشر، وهذا هو المسيح عند إحيائه العازر بعد موته بأربعة أيام وقد ذهب إلى القرية التي مات فيها وتقابل مع أختيه مريم ومرثا ورأى مريم تبكى (فلما رآها يسوع تبكى واليهود الذين جاءوا معها يبكون انزعج بالروح واضطرب وقال: أين وضعتموه؟ قالوا له: يا سيد تعال وانظر، بكى يسوع).