آيات من القرآن الكريم

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

يقول تعالى حاكماً بتكفير فرق النصارى ممن قال منهم بأن المسيح هو الله، - تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علواً كبيراً - هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله، وكان أول كلمة نطق بها وهو صغير في المهد أن قال :﴿ إِنِّي عَبْدُ الله ﴾ [ مريم : ٣٠ ]، ولم يقل إني أنا الله ولا ابن الله، بل قال :﴿ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الكتاب وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ﴾ [ مريم : ٣٠ ]، وكذلك قال لهم في حلا كهولته ونبوته آمراً لهم بعبادة الله ربه وربهم وحده لا شريك له، ولهذا قال تعالى :﴿ وَقَالَ المسيح يابني إِسْرَائِيلَ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بالله ﴾ أي فيعبد معه غيره ﴿ فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة وَمَأْوَاهُ النار ﴾ أي فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨، ١١٦ ] وفي الصحيح أن النبي ﷺ بعث منادياً ينادي في الناس :« إن الجنة لا يدخلها إلاّ نفس مسلمة » وفي لفظ « مؤمنة »، ولهذا قال تعالى :﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ أي وما له عند الله ناصر ولا معين ولا منقذ مما هو فيه. وقوله :﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾، الصحيح أنها أنزلت في النصارى خاصة، قاله مجاهد وغير واحد، ثم اختلفوا في ذلك، فقيل : المراد بذلك كفارهم في قولهم بالأقانيم الثلاثة، وهو أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الابن، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. قال ابن جرير وغيره : والطوائف الثلاثة من الملكية واليعقوبية والنسطورية تقول بهذه الأقانيم، وهم مختلفون فيها اختلافاً متبايناً، ليس هذا موضع بسطه، وكل فرقة منهم تكفر الأخرى، والحق أن الثلاثة كافرة. وقال السدي وغيره : نزلت في جعلهم المسيح وأمه إلهين مع الله، فجعلوا الله ثالث ثلاثة بهذا الاعتبار، وهي كقوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] الآية، وهذا القول هو الأظهر، والله أعلم.
قال الله تعالى :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله وَاحِدٌ ﴾ أي ليس متعدداً بل هو وحده لا شريك له، إله جميع الكائنات وسائر الموجودت، ثم قال تعالى متوعداً لهم ومتهددا :﴿ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ ﴾ أي من هذا الإفتراء والكذب ﴿ لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي في الآخرة من الأغلال والنكال، ثم قال :﴿ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ؟ وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه مع هذا الذنب العظيم، وهذا الافتراء والكذب والإفك يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، فكل من تاب إليه تاب عليه.

صفحة رقم 682

وقوله تعالى :﴿ مَّا المسيح ابن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل ﴾ أي له أسوة أمثاله من سائر المرسلين المتقدمين عليه، وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام، كما قال :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لبني إِسْرَائِيلَ ﴾ [ الزخرف : ٥٩ ]، وقوله :﴿ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾ أي مؤمنة به مصدقة له، وهذا أعلى مقاماتها، فدل على أنها ليست بنبية كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة ( أم إسحاق ) ونبوة ( أم موسى ) ونبوة ( أم عيسى ) استدلالاً منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم، وبقوله :﴿ وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ [ القصص : ٧ ]، وهذا معنى النبوة، والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبياً إلاّ من الرجال، قال الله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى ﴾ [ يوسف : ١٠٩ ]، وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله الإجماع على ذلك، وقوله تعالى :﴿ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام ﴾ أي يحتاجان إلى التغذية به وإلى خروجه منهما، فهما عبدان كسائر الناس، وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. ثم قال تعالى :﴿ انظر كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيات ﴾ أي نوضحها ونظهرها، ﴿ ثُمَّ انظر أنى يُؤْفَكُونَ ﴾ أي ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون، وبأي قول يتمسكون، وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون؟.

صفحة رقم 683
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية