
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ فَيَّاضٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حكم الله فحكم الجاهلية. وَأَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قِرَاءَةً، حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ إِذَا سَأَلَهُ رَجُلٌ: أُفَضِّلُ بَيْنَ وَلَدِي فِي النَّحْلِ؟ قَرَأَ أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ الآية، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أبغض الناس إلى الله عز وجل، من يبتغي فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَالَبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُرِيقَ دَمَهُ». وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة «١».
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣)
ينهى تبارك وتعالى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الَّذِينَ هُمْ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ- قَاتَلَهُمُ اللَّهُ- ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ثُمَّ تَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلِكَ، فَقَالَ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ الآية.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِيَاضٍ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى فِي أَدِيمٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ، فَرَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ، فعجب عمر وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لِحَفِيظٌ، هَلْ أَنْتَ قَارِئٌ لَنَا كِتَابًا فِي الْمَسْجِدِ جَاءَ مَنِ الشَّامِ؟ فقال: إنه لا يستطيع، فَقَالَ عُمَرُ: أَجُنُبٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا بَلْ نَصْرَانِيٌّ. قَالَ: فَانْتَهَرَنِي وَضَرَبَ فَخِذِي، ثُمَّ قَالَ: أَخْرِجُوهُ، ثُمَّ قَرَأَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآية، ثم قال:
حدثنا محمد بن الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. قَالَ: فَظَنَنَّاهُ يُرِيدُ هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الْآيَةَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ نحو ذلك.
وقوله تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَيْ شَكٌّ وريب ونفاق، يسارعون فيهم، أي

يُبَادِرُونَ إِلَى مُوَالَاتِهِمْ وَمَوَدَّتِهِمْ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ أَيْ يَتَأَوَّلُونَ فِي مَوَدَّتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ أَنَّهُمْ يَخْشَوْنَ أَنْ يَقَعَ أمر من ظفر الكافرين بِالْمُسْلِمِينَ، فَتَكُونُ لَهُمْ أَيَادٍ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَيَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ. عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي فَتْحَ مَكَّةَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْنِي الْقَضَاءَ وَالْفَصْلَ، أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي ضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَيُصْبِحُوا يَعْنِي الَّذِينَ وَالَوُا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْمُوَالَاةِ، نادِمِينَ أَيْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِمَّا لَمَّ يُجْدِ عَنْهُمْ شَيْئًا، وَلَا دَفَعَ عَنْهُمْ مَحْذُورًا، بَلْ كَانَ عَيْنَ الْمُفْسِدَةِ، فَإِنَّهُمْ فُضِحُوا وَأَظْهَرَ اللَّهُ أَمْرَهُمْ فِي الدُّنْيَا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مَسْتُورِينَ، لَا يُدْرَى كَيْفَ حَالُهُمْ، فَلَمَّا انْعَقَدَتِ الْأَسْبَابُ الْفَاضِحَةُ لَهُمْ تَبَيَّنَ أَمْرُهُمْ لِعِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَعَجَّبُوا مِنْهُمْ كَيْفَ كَانُوا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيَتَأَوَّلُونَ فَبَانَ كَذِبُهُمْ وَافْتِرَاؤُهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي هَذَا الْحَرْفِ فَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ في قوله وَيَقُولُ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ رَفَعَ وَيَقُولُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَصَبَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فتقديره أَنْ يَأْتِيَ وَأَنْ يَقُولَ وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١». قال ابن جرير عَنْ مُجَاهِدٍ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ تقديره حينئذ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي سَبَبٍ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ، فَذَكَرَ السُّدِّيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدَهُمَا لِصَاحِبِهِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ فَآوِي إِلَيْهِ وَأَتَهَوَّدُ مَعَهُ، لَعَلَّهُ يَنْفَعُنِي إِذَا وَقَعَ أمر أو حدث حادث. وقال الآخر أما أنا فإني ذاهب إِلَى فُلَانٍ النَّصْرَانِيُّ بِالشَّامِ فَآوِي إِلَيْهِ وَأَتَنَصَّرُ معه، فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الْآيَاتِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَسَأَلُوهُ: مَاذَا هُوَ صَانِعٌ بِنَا؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ أَيْ إِنَّهُ الذَّبْحُ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢».
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ عُبَادَةُ بْنُ الصامت من بني
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٦١٦.
(٣) تفسير الطبري ٤/ ٦١٥.

الحارث بن الْخَزْرَجِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَوَالِي مَنْ يَهُودٍ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ وَلَايَةِ يَهُودٍ، وَأَتَوَلَّى الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي:
إِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ لَا أَبْرَأُ مِنْ وِلَايَةِ مَوَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ «يَا أَبَا الْحُبَابِ، مَا بَخِلْتَ بِهِ مِنْ وَلَايَةِ يَهُودَ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَهُوَ لَكَ دُونَهُ» قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ الآيتين.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ بدر، قال المسلمون لأوليائهم من اليهود: أسلموا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِيَوْمٍ مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ: أَغَرَّكُمْ أَنْ أَصَبْتُمْ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْقِتَالِ، أَمَا لَوْ أَمْرَرْنَا «٢» الْعَزِيمَةَ أَنْ نَسْتَجْمِعَ عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا، فقال عبادة بن الصامت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنَ الْيَهُودِ كَانَتْ شَدِيدَةً أَنْفُسُهُمْ كَثِيرًا سِلَاحُهُمْ شَدِيدَةً شَوْكَتُهُمْ، وإني أبرأ إلى الله وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ وِلَايَةِ يَهُودَ، وَلَا مَوْلَى لِي إِلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن أبي: لكني لا أبرأ من ولاية يهود إني رَجُلٌ لَا بُدَّ لِي مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا أَبَا الحباب، أرأيت الذي نفست بِهِ مِنْ وَلَايَةِ يَهُودَ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَهُوَ لَكَ دُونَهُ» فَقَالَ: إِذًا أَقْبَلُ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ- إلى قوله تعالى- وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ «٣» : فَكَانَتْ أَوَّلَ قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَهُودِ نَقَضَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنُو قَيْنُقَاعَ، فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِي وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِي، قَالَ: فَأَعْرَضَ عنه. قال: فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَرْسِلْنِي»، وَغَضِبَ رسول الله ﷺ حتى رأوا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا، ثُمَّ قَالَ «وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي» قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مَوَالِي أَرْبَعِمِائَةِ حَاسِرٍ «٤»، وَثَلَاثِمِائَةِ دَارِعٍ، قَدْ مَنَعُونِي من الأحمر والأسود، تحصدني «٥» فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إِنِّي امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هُمْ لَكَ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عُبَادَةَ بن الوليد بن عبادة بن
(٢) أي أجمعنا العزيمة.
(٣) سيرة ابن هشام ٢/ ٤٧.
(٤) الحاسر: الذي لا درع له، بعكس الدارع.
(٥) في سيرة ابن هشام: «تحصدهم» وهي أوضح.