
وقوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ... (٣٣)
(أن) فِي موضع رفع.
فإذا أصابَ الرجل الدم والمال وأخاف السبيل صلب، وَإِذَا أصابَ القتل ولم يصب المال قتِل، وَإِذَا أصابَ المال ولم يصب القتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى «من خلاف» ويصلح مكان (من) عَلَى، والباء، واللام.
ونفيه أن يُقال: من قتله فدمه هدر «١». فهذا النفي.
وقوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما... (٣٨)
مرفوعان بِما عاد من ذكرهما. والنصبُ فيهما جائز كما يَجوز أزيد ضربته، وأزيدًا ضربته. وإنما تختار العرب الرفع فى «السارق والسارقة» لأنهما [غير] «٢» موَقَّتين، فوجِّها توجيه الجزاء كقولك: مَنْ سرق فاقطعوا يده، ف (من) لا يكون إلا رفعًا، ولو أردت سارقًا بعينه أو سارقة بعينها كَانَ النصبُ وجه الكلام. ومثله وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما «٣» وَفِي قراءة عبد الله «والسارقونَ والسارقات فاقطعوا أيمانهما».
وإنّما قَالَ (أيديهما) لأن كل «٤» شيء موحَّد من خَلْق الانْسَان إِذَا ذكر مضافًا إلى اثنين فصاعدًا جُمِع. فقيل: قد هشمت رءوسهما، وملاتَ ظهورهما وبطونَهما ضربَا. ومثله إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما «٥».
(٢) سقط فى ش.
(٣) آية ١٦ سورة النساء.
(٤) كذا فى ج. وفى ش: «لكل».
(٥) آية ٤ سورة التحريم.

وإنَّما اختير الجمع عَلَى التثنية لأن أكثر ما تكون عَلَيْهِ الجوارح اثنين فِي الانْسَان:
اليدين والرجلين والعينين. فلمّا جرى»
أكثره عَلَى هَذَا ذهب بالواحد منه إِذَا أضيفَ إلى اثنين مذهب التثنية. وقد يَجوز تثنيتهما قَالَ أَبُو ذُؤيب:
فتخالسا نَفْسَيْهِما بنوافذ | كنوافِذِ العُبُط التي لا ترقَع «٢» |
وإنّما ذكرت ذَلِكَ لأن من النحويين من كَانَ لا يُجيزه إِلا فِي خَلْق الانْسَان، وَكُلٌّ سواء. وقد يَجوز أن تَقُولُ فِي الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يَمينهما «٣» لأن المعنى: اليمين من كل واحد منهما كما قال الشاعر:
كلوا فِي نصف بطنِكم تعيشوا | فإنَّ زمانكم زمن خميص «٤» |
(٢) هذا من عينيته المشهورة التي يرثى بها بنيه. وهى فى المفصليات. وهو فى وصف فارسين يتنازلان. و «تخالسا نفسيهما» : رام كل منهما اختلاس نفس صاحبه وابتهاز الفرصة فيه. والنوافذ:
الطعنات النافذة. والعبط: جمع العبيط، وهو ما يشق، من العبط أي الشق. وفى أمالى ابن الشجري ١/ ١٢: «أراد: بطعنات نوافذ. والعبط جمع العبيط، وهو البعير الذي ينحر لغير داء». وانظر شرح المفضّليات لابن الأنبارى ٨٨٣، وديوان الهذليين (الدار) ١/ ٢٠ [.....]
(٣) كذا فى ج. وفى ش: «يدهما».
(٤) ويروى:
كلوا فى بعض بطنكم تعفوا
والخميص: الجائع طوى بطنه على غير زاد. وانظر الكتاب ١/ ١٠٨، والخزانة ٣/ ٣٧٩.