بدعاء أمته فعل ذلك الحق سبحانه لحكمة أخفاها فانا بسببه نلنا السعادة من الله وبه كنا خير امة أخرجت للناس وبه ختم الله بنا الأمم كما ختم به النبيين وهو ﷺ مبشر كما امر ان يقول ولنا وجه خاص الى الله تعالى نناجيه منه ويناجينا وكذا كل مخلوق له وجه خاص الى ربه فامرنا عن امر الله ان ندعو له بالوسيلة حتى ينزل فيها بدعاء أمته وهذا من باب الغيرة الالهية انتهى وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ بمحاربة الأعداء الظاهرة والباطنة لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بالوصول الى الله والفوز بكرامته. والاشارة فى الآية ان الله تعالى جعل الفلاح الحقيقي فى اربعة أشياء. أحدها الايمان وهو إصابة رشاشة النور فى بدء الخلقة وبه يخلص العبد من حجب ظلمة الكفر. وثانيها التقوى وهو منشأ الأخلاق المرضية ومنبع الأعمال الشرعية وبه يخلص العبد من ظلمة المعاصي. وثالثها ابتغاء الوسيلة وهو فناء الناسوتية فى بقاء اللاهوتية وبه يتخلص العبد من ظلمة أوصاف الوجود. ورابعها الجهاد فى سبيل الله وهو اضمحلال الانانية فى اثبات الهوية وبه يتخلص العبد من ظلمة الوجود ويظفر بنور الشهود فالمعنى الحقيقي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باصابة النور اتَّقُوا اللَّهَ بتبديل الأخلاق الذميمة وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ فى إفناء الأوصاف وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ببذل الوجود لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بنيل المقصود من المعبود كذا فى التأويلات النجمية.
واعلم ان الآية الكريمة صرحت بالأمر بابتغاء الوسيلة ولا بد منها البتة فان الوصول الى الله تعالى لا يحصل الا بالوسيلة وهى علماء الحقيقة ومشايخ الطريقة: قال الحافظ
قطع اين مرحله بي همرهىء خضر مكن
ظلماتست بترس از خطر كمراهى
والعمل بالنفس يزيد فى وجودها واما العمل وفق اشارة المرشد ودلالة الأنبياء والأولياء فيخلصها من الوجود ويرفع الحجاب ويوصل الطالب الى رب الأرباب. قال الشيخ ابو الحسن الشاذلى كنت انا وصاحب لى قد أوينا الى مغارة لطلب الدخول الى الله وأقمنا فيها ونقول يفتح لنا غدا او بعد غد فدخل علينا يوما رجل ذوهيبة وعلمنا انه من اولياء الله فقلنا له كيف حالك فقال كيف يكون حال من يقول يفتح لنا غدا او بعد غد يا نفس لم لا تعبدين الله لله فتيقظنا وتبنا الى الله وبعد ذلك فتح علينا فلا بد من قطع التعلق من كل وجه لينكشف حقيقة الحال: قال الحافظ
فداى دوست نكرديم عمر مال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
وفى صحبة الأخيار والصلحاء شرف عظيم وسعادة عظمى- وحكى- ان خادم الشيخ ابى يزيد البسطامي كان رجلا مغربيا فجرى الحديث عنده فى سؤال منكر ونكير فقال المغربي والله ان يسألانى لأقولن لهما فقالوا له ومن اين يعلم ذلك فقال اقعدوا على قبرى حتى تسمعونى فلما انتقل المغربي جلسوا على قبره فسمعوا المسألة وسمعوه يقول أتسألونني وقد حملت فروة ابى يزيد على عنقى فمضوا وتركوه ولا تستبعد أمثال هذا فان جواب المجيب المدقق يذهب معه من هنا فحصل مثل هذا الزاد: وفى المثنوى
كنج زرى كه چوخسبى زير ريك
با تو باشد آن نباشد مرد ريك
پيش پيش آن جنازت مى رود
مونس كور وغريبى ميشود
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ اى لكل واحد منهم ما فِي الْأَرْضِ اى من اصناف
صفحة رقم 388
چونكه بر بوكست جمله كارها
كار دين اولى كزين يا بي رها
قال بعض الصلحاء رأيت فى منامى كانى واقف على قناطر جهنم فنظرت الى هول عظيم فجعلت أفكر فى نفسى كيف العبور على هذه فاذا قائل يقول يا عبد الله ضع حملك واعبر قلت ما حملى قال دع الدنيا: قال الحافظ
تا كى غم دنياى دنى اى دل دانا
حيفست ز خوبى كه شود عاشق زشتى
وفى الحديث (يؤتى بانعم اهل الدنيا) الباء فيه للتعدية وأنعم افعل تفضيل من النعمة اى بأكثرهم نعمة (من اهل النار يوم القيامة فيصبغ فى النار صبغة) يعنى يغمس فيها مرة أراد من الصبغ الغمس إطلاقا للملزوم على اللازم لان الصبغ انما يكون بالغمس غالبا ثم أراد من غمسه فيها إصابة نفحة من النار به (ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مربك نعيم قط فيقول لا والله يا رب) شدة العذاب آنسته ما مضى عليه من نعم الدنيا (ويؤتى باشد الناس بؤسا) اى شدة وبلاء فى الدنيا (من اهل الجنة فيصبغ صبغة من الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مربك شدة قط فيقول لا والله ما مربى بؤس قط ولا رأيت شدة قط) كذا فى شرح المشارق لابن ملك
هر چند غرق بحر گناهم ز صد جهت
گر آشناى عشق شوم ز اهل رحمتم
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ وهو مبتدأ محذوف الخبر اى حكم السارق والسارقة ثابت فيما يتلى عليكم فقوله تعالى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما بيان لذلك الحكم المقدر فما بعد الفاء مرتبط بما قبلها ولذلك اتى بها فيه لانه هو المقصود مما قبلها ولو لم يأت بالفاء لتوهم انه اجنبى وانما فدر الخبر لان الأمر إنشاء لا يقع خبرا الا بإضمار وتأويل والمراد بايديهما إيمانهما ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى كما فى قوله تعالى فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما اكتفاء بتثنية المضاف اليه وتفصيل ما يتعلق بالسرقة سيجيئ فى آخر المجلس جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ منصوبان على المفعول له والمعنى فاقطعوهما مكافاة لهما على ما فعلا من فعل السرقة وعقوبة رادعة لهما من العود ولغيرهما من الاقتداء بهما وبما متعلق بجزاء ومن الله صفة نكالا اى نكالا كائنا منه تعالى. والنكال اسم بمعنى التنكيل مأخوذ من النكول وهو الامتناع وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب على امره يمضيه كيف يشاء من غير ند ينازعه ولا ضد يمانعه حَكِيمٌ فى شرائعه لا يحكم الا بما تقتضيه الحكمة والمصلحة ولذلك شرع هذه الشرائع المنطوية على فنون الحكم والمصالح فَمَنْ تابَ من السراق الى الله تعالى مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ اى من بعد ان ظلم غيره بأخذ ماله والتصريح به مع ان التوبة لا تتصور قبله لبيان عظم نعمته تعالى بتذكير عظم جنايته وَأَصْلَحَ اى امره بالتفصى عن تبعات ما باشره والعزم على ان لا يعود الى السرقة فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ اى يقبل توبته فلا يعذبه فى الآخرة واما القطع فلا تسقطه التوبة عندنا لان فيه حق المسروق منه. قال الحدادي لا تقطع يده إذا رد المآل قبل المرافعة الى الحاكم واما إذا رفع الى الحاكم ثم تاب فالقطع واجب فان كانت توبته حقيقة كان ذلك زيادة درجات له كما ان الله تعالى ابتلى الصالحين والأنبياء بالبلايا
صفحة رقم 390