
٢- الإمام مخير في إنزال العقوبة التي يرى أنها مناسبة١ لاستتباب الأمن، إن قلنا أو في الآية للتخيير، وإلا فمن قتل وأخذ المال وأخاف الناس قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ مالاً قتل، ومن قتل وأخذ مالاً قطعت٢ يده ورجله من خلاف فتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن لم يقتل ولم يأخذ مالاً يُنفى٣.
٣- من تاب من المحاربين قبل التمكن منه يعفى عنه إلا أن يكون بيده مال سلبه فإنه يرده على ذنوبه أو يطلب بنفسه إقامة الحد عليه فيجاب لذلك.
٤- عظم عفو الله ورحمته بعباده لمغفرته لمن تاب ورحمته له.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٧) ﴾
شرح الكلمات:
﴿اتَّقُوا اللهَ﴾ : خافوا عذابه فامتثلوا أمره وأمر رسوله واجتنبوا نهيهما.
﴿وَابْتَغُوا﴾ : اطلبوا.
٢ مذهب الجمهور، وهو الحق لا تقطع يد المحارب إلا في مال تقطع فيه يد السارق، وهو زنة: ربع دينار ذهب فأكثر.
٣ إن تعذر النفي فالسجن يقوم مقامه، إذ هو نفي من ظاهر الأرض إلى باطنها. كما قال الشاعر:
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها | فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا |
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا

﴿الْوَسِيلَةَ١﴾ : تقربوا إليه بفعل محابه وترك مساخطه تظفروا بالقرب٢ منه.
﴿وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ﴾ : أنفسكم بحملها على أن تتعلم وتعمل وتعليم، وأعداءه بدعوتهم إلى الإسلام وقتالهم على ذلك.
﴿تُفْلِحُونَ﴾ : تنجون من النار وتدخلون الجنة.
﴿عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ : دائم لا يبرح ولا يزول.
معنى الآيتين:
ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين به وبرسوله ووعده ووعيده ليرشدهم إلى ما ينجيهم من العذاب فيجتنبوه، وإلى ما يدنيهم من الرحمة فيعملوه فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ٣ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ومعنى اتقوا الله خافوا عذابه فأطيعوه بفعل أوامره وأوامر رسوله واجتناب نواهيهما فإن عذاب الله لا يتقى إلا بالتقوى. ومعنى ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ : اطلبوا إليه القربة، أي: تقربوا إليه بفعل ما يحب وترك ما يكره تفوزوا بالقرب منه. ومعنى ﴿وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ﴾ : جاهدوا أنفسكم في طاعته، والشيطان في معصيته، والكفار في الإسلام إليه والدخول في دينه باذلين كل ما في وسعكم من جهد وطاقة. هذا ما دلت عليه الأية الأولى (٣٥)، أما الآية الثانية (٣٦) وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ فإنها علة لما دعت إليه الآية الأولى من الأمر بالتقوى وطلب القرب من الله تعالى وذلك بالإيمان وصالح الأعمال، لأن العذاب الذي أمروا باتقائه بالتقوى عذاب لا يطاق أبداً ناهيكم أن الذين كفروا ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ٤ جَمِيعاً﴾ من مال صامت وناطق ﴿وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ وقبل منهم
إن الرجال لهم إليك وسيلة | أن يأخذوك تكحلي وتخضبي |
إذ غفل الواشون عدنا لوصلنا | وعاد التصافي بيننا والوسائل |
٣ تقديم الجار والمجرور على المفعول والمطلوب، في قوله تعالى: ﴿وَابْتَغوُا إلَيه الوَسِيلة﴾ مؤذن بتوحيد الله تعالى بالعبادات التي يتقرب بها إليه فلا يصح صرف شيء منها إلى غيره مهما كان.
٤ أي: لو ثبت لهم ما في الأرض ومثله معه أيضًا لأجل الافتداء به لا لأجل أن يكنزوه في وجوه الإنفاق المحبوبة لهم لافتدوا به ولكن أنى يكون لهم ذلك.