آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها ﴿ وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة ﴾ قال ابن عباس : أي القربة، وقال قتادة : أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضاً عَلَمٌ على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله ﷺ وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش، وقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال، قال رسول الله ﷺ :« من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلاّ حلت له الشفاعة يوم القيامة »، ( حديث آخر ) : في صحيح مسلم قال ﷺ :« إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلاّ لعبد من عباد الله، وأرجوا أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة » ( حديث آخر ) : عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« » إذا صليتم عليّ فسلوا لي الوسيلة «، قيل : يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال :» أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلاّ رجل واحد، وأرجوا أن أكون أنا هو « عن ابن عباس قال، قال رسول الله ﷺ :» سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلاّ كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة «.
وقوله تعالى :﴿ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات أمرهم بقتال الأعداء، من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم. والتاركين للدين القويم، ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة، من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة، التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة، الآمنة الحسنة مناظرها، الطيبة مساكنها، التي من سكنها ينعم لا ييأس، ويحيى لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه، ثم أخبر تعالى بما أعد لأعدائه الكفار من العذاب والنكال يوم القيامة فقال :﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ القيامة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي لو أن أحدهم جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهباً وبمثله ليفتدي بذلك من عذاب الله الذي قد أحاط به، وتيقن وصوله إليه ما تقبل ذلك منه بل لا مندوحة عنه ولا محيص ولا مناص ولهذا قال.

صفحة رقم 652

﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي موجع، ﴿ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾، كما قال تعالى :﴿ كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾ [ الحج : ٢٢ ] الآية. فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من شدته وأليم مسه ولا سبيل لهم إلى ذلك، كلما رفعهم اللهب فصاروا في أعلى جهنم ضربتهم الزبانية بالمقامع الحديد فيردوهم إلى أسفلها ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ أي دائم مستمر لا خروج لهم منها، ولا محيد لهم عنها، وقد قال رسول الله ﷺ :« يؤتى بالرجل من أهل النار، فيقال له يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك؟ فيقول شر مضجع، فيقال له تفتدي بقراب الأرض ذهباً؟ قال فيقول : نعم يا رب، فيقول الله تعالى : كذبت قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار » وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال :« يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة » قال : فقلت لجابر بن عبد الله يقول الله :﴿ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ﴾ قال : أتل أول الآية ﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ ﴾ الآية، ألا إنهم الذين كفروا. وعن طلق بن حبيب قال : كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار فقال : يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنّة رسول الله مني؟ إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً فعذبوا ثم أخرجوا منها ثم أهوى بيديه إلى أذنيه، فقال : صمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله ﷺ يقول :« يخرجون من النار بعدما دخلوا » ونحن نقرأ كما قرأت. رواه ابن مردويه.

صفحة رقم 653
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية