آيات من القرآن الكريم

قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ

فصار عذرا ظاهرا لاعراض الخلق عن معرفة كيفية عبادة الخالق وماهيتها، وصارت الحاجة ماسة إلى إرسال من ينقذ الخلق من هوتهم، فأرسل الله تعالى حبيبه محمدا صلّى الله عليه وسلم لإزالة ذلك كما أشرنا إليه في المقدمة آخر الخاتمة، بشريعة سمحة موافقة لمصلحة البشر أجمع وملائمة لعصرهم فليس لكم يا أهل الكتاب ويا أيها المشركون «أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ» إنما أرسلنا محمدا إليهم مرشدا ومجددا لئلا يحتجوا بهذه الحجة ويقولوا هذا القول «فَقَدْ جاءَكُمْ» الآن «بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ» بين لكم أمر دينكم «وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (١٩) ومن قدرته إرشاد الخلق بلا إرسال رسل وإنما أرسلهم لئلا يتذرعوا بالمعاذير راجع الآيات ٢٧١ و ٢٧٢ من سورة الأعراف المارة ج ١ قال تعالى «وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ» أي اذكر لقومك يا سيد الرّسل قول السّيد موسى «يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ» كثيرين فلم يبعث في أمة من الأمم كما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء منهم «وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً» بعد ان كنتم خدما وخولا للقبط أذلاء مخذولين «وَآتاكُمْ» من النعم المترادفة «ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ» (٢٠) قبلكم ولا في زمانكم وقد عددها الله تعالى في مواقع كثيرة من القرآن منها في الآية ٤٧ إلى ٧٤ من البقرة وعدد تعاليمهم في الآية ٧٥ فما بعدها في آيات كثيرة من البقرة وغيرها وما وقع منهم من عناد وكفر فيها وفي آل عمران وغيرها.
ومن جملة مخالفتهم نبيهم قوله تعالى حكاية عنهم «يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ» المطهرة المباركة قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين ومهبط الوحي الإلهي «الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» دخولها وأباح لكم سكناها وأمركم بالسير إليها، وهي أراضي الطّور وما حولها من أريحا وفلسطين ودمشق وبعض الأردن، وهذا أمر منه بالجهاد مع الجبارين الكنعانيين كما سبق في الآية ١٢ المارة «وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ» فترجعوا القهقرى منهزمين مولين أعداءكم ظهوركم خوفا منهم، فترتدوا عن دينكم بعصيانكم أمر رسولكم وعدم وثوقكم بما وعدكم ربكم، فتخالفوا أمره «فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» (٢١) الدنيا والآخرة وإنما حصل لهم التردد بعد أن ساروا معه وامتنعوا

صفحة رقم 312

عن الجهاد لأن نقباءهم أخبروهم بما رأوا من عوج بن عنق الذي أشرنا إليه في الآية ١٢ المارة، ولهذا «قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ» لا طاقة لنا بقتالهم ولا قوة لنا على بطشهم «وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها» إن شئت أو أبيت «فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ» (٢٢) إليها معك ثم صاروا يبكون ويلومون أنفسهم على طاعة موسى بخروجهم من مصر يقولون يا ليتنا متنا فيها وبقينا على ما كنا عليه، وهموا بالانصراف والرّجوع إلى مصر، وإنما لحقهم هذا الرّعب قبل الوصول وقبل نشوب الحرب لأنهم قوم تعودوا الذلّ والاستعباد وخساسة النّفس والرّضاء بالهوان، ولم يذوقوا لذة العزّة والمهابة والحرية وأن السّيد موسى عليه السّلام يريد أن يرفعهم من حضيض الأرض إلى أوج السّماء دفعة واحدة، ولكن:
وإذا كانت النّفوس صفارا... خسئت في مرادها الأجسام
ولم يعلموا بعد أنه:
وإذا سخّر الله سعيدا... لأناس فإنهم سعداء
فلما رأى موسى عزمهم على الرّجوع وخبتهم عن اللّقاء وفضلوا أن يكونوا خدما للقبط كما كانوا على صيرورتهم ملوكا وأنبياء، وخافوا أن تقتل أولادهم وأنفسهم في الجهاد، وأن يغنم أموالهم العدو، ولم يخافوا من القبط الّذين قتّلوا ذكورهم واستحيوا نساءهم للخدمة خرّ موسى وأخوه هرون ساجدين لله ليريهما ما يقدر لهما وماذا يعملان مع قومهما، وصار يوشع وكالب يخرقان ثيابهما خوفا من نزول العذاب لما رأيا من غضب موسى وهرون، وهما المعنيان بقوله تعالى «قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ» مقت الله وعقابه الّذين «أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا» بالثبات على الإيمان والوفاء بالعهد، إذ لم يخبرا سبطيهما بما رأياه من الجبار عوج ابن عنق المار ذكره في الآية ١٢ «ادْخُلُوا» يا قومنا «عَلَيْهِمُ» أي الجبارين «الْبابَ» باب مدينة أريحا ولا تهابوهم، فإذا دخلتموه «فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ» (٢٣) عليهم لأن الله وعدكم النّصر فهلم ادخلوا «وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (٢٤) به وبوعده، قالوا فلما سمعوا هذا القول من كالب ويوشع أرادوا

صفحة رقم 313

أن يرجموهما بالحجارة فضلا عن عدم الالتفات إلى قولهما، والتفتوا إلى موسى ثم «قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها» أي الجبارون المذكورون فإذا أردت يا موسى «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا» هؤلاء الجبارين «إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» (٢٥) ننتظر ما ينجم عن قتالكم، فإن ظفرتم بهم دخلنا وإلّا فقد سلمنا من بأسهم «قالَ» موسى بعد أن رفع رأسه وأخوه من السجود ورأيا ما هموا به على كالب ويوشع وما أراداه منهما وما أرادوه هم من وجود من يرأسهم ويرجعهم إلى مصر وعلم إياسه منهم «رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي» الذي هو في طاعتي أينما وجهته لتنفيذ أمرك «فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» (٢٦) وهذا دعاء عليهم، لأنه طلب الحكم من الله فيما بينهما وبينهم، وكان هرون يؤمن على دعائه، فأوحى الله إليه بإجابة دعائه الذي ألهمه أثناء سجوده «قالَ» الله عز وجل يا موسى أتركهم «فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ» لا يرون هذه الأرض المقدسة بل يبقون متحيرين في أمرهم، وهذا التحريم على الأسباط العشرة الّذين نقضوا العهد وأخبروا قومهم بما رأوا من بأس الجبارين وان عوجا اقتلع صخرة من الجبل عظيمة وأراد إلقاءها عليهم فبعث الله لهدهد فثقبها فوقعت في عنقه فصرعته أما يوشع وكالب، فقد دخلاها، فلما سمع موسى كلام ربه استاء على قومه شفقة منه عليهم مع إساءتهم له فقال له ربه «فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» (٢٧) الخارجين عن الطّاعة فإنهم يستحقون أكثر من هذا، وقد أراد الله تعالى وهو أعلم بهذه المدة أمرين الأوّل جزاء شؤمهم وتمردهم على نبيهم وعصيانهم أمره مدة أربعين يوما التي كان يعالجهم فيها لدخول الأراضي المقدسة وهم يمتنعون، فجعل عليهم التّيه والتشرد مثل تلك المدة سنين عقوبة لهم، والثاني حتى ينقرض كبارهم الّذين ألفوا الرّقّ والذل والهوان وتعودوا الخدمة والمهانة فصغرت نفوسهم عن مستواها وحقرت ولم يبق فيها حب الطموح إلى العزّة والكرامة، وينشىء الله بعدهم منهم من ينشأ جديدا في تلك الصحراء التي لا يد عليهم فيها إلّا يد الله، فيربون أحرارا أعزاء بنفوس أبية لا تعرف الضيم والرّق والذل الذي كان عليه آباؤهم، فلا تلمس أنوفهم ولا يداس حماهم ولا

صفحة رقم 314

توطأ أرضهم، فيقدمون على الجهاد بحزم وعزم، فيبطشون ويظفرون، فيكون منهم الملوك والأمراء والأنبياء. قالوا إن الله أوحى إلى موسى عليه السّلام حين سجد وأخوه (بي حلفت لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب، ولآتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة مكان كلّ يوم سنة، ولألقين جيفهم في هذا الفضاء، أما أبناؤهم الّذين لم يعملوا الشّر فسيدخلونها) قالوا وكانت أرض التيه تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخا، وكان القوم ستمئة الف، وكانوا يرحلون اليوم كله فإذا أمسوا وجدوا أنفسهم بمكانهم، وهذا من باب فوق العادة لأنه معجزة لرسولهم عقابا لعنادهم وجزاء لعصيانهم، قالوا ثم شكوا إلى موسى الضّنك الذي لا قوة في تيههم من الجوع والعطش والتعب، فدعا الله ربه، فأنزل عليهم المنّ والسّلوى وظللهم بالغمام وأمر موسى بضرب الحجر فضربها فتفجرت عن اثنتي عشرة عينا لكل سبط عين، وجعل كسوتهم قائمة معهم لا تخلق وتكبر مع كبرهم وهذه
أيضا من جملة المعجزات التي أظهرها الله لنبيهم في التيه، ومن خوارق عوائد الله تعالى ولا شيء عليه بعزيز، فانظر رعاك الله تلطف موسى بقومه ورحمته بهم على ما هو عليه من الشّدة وما هم عليه من التعنت والخلاف لأمره وأمر ربه، وهذا مما يطمع العباد في ربهم، اللهم لا تغفلنا عن مكرك، ولا تنسنا ذكرك، واسبل علينا سترك، وانشر علينا رحمتك، ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا وأفعال السّفهاء منا برحمتك يا أرحم الرّاحمين.
مطلب موت هارون وموسى عليهما السّلام وقصة ولدي آدم عليه السّلام:
قالوا ومات في التيه كلّ من دخله مجاوزا عمره العشرين سنة غير يوشع وكالب ولم يدخل أريحا منهم ممن قال لن ندخلها أبدا، وكان موسى وهرون ممن مات في التيه أيضا، قالوا ولما أراد الله وفاة هرون أوحى الله إلى موسى عليهما السّلام أن ائت بهارون إلى جبل كذا، فلما أتاه به وجد هارون شجرة ومبيتا فيه فراش على سرير فيه رائحة طيبة، فأعجبه ونام عليه، فلما أحس بالموت قال يا موسى خدعتني، وقبض الله روحه ورفع إلى السّماء ورجع موسى إلى بنى إسرائيل، فسألوه عن هرون فقال لهم مات فاتهموه بقتله، فدعا الله فأنزل لهم ذلك السّرير

صفحة رقم 315

وعليه هرون ميتا فصدقوه، ثم رفع ولم يعلم موضع قبره في الأرض أي محل قبض روحه، ثم نبأ الله يوشع عليه السّلام فصار موسى يغدو ويروح عليه حتى كره الحياة وأحب الموت بعد أن كان يكرهه، قالوا إن الله تعالى قال لموسى ضع يدك على متن ثور فلك بكل ما غطست يداك من شعرة سنة، قال أي رب ثم مه؟ قال ثم الموت، قال إذا فالآن، وسأل ربه أن يدنيه من الأراضي المقدسة رمية حجر، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرا لم ير أحسن منه؟
فقال لمن هذا؟ قالوا لعبد كريم على ربه، فقال هذا العبد من الله بمنزلة ما رأيت كاليوم قط مثلها، فقالوا يا صفي الله أتحب أن يكون لك، قال وددت، قالوا فأنزل فنزل واضطجع فيه وتوجه إلى ربه عز وجل ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله روحه الطّاهرة عليه الصّلاة والسّلام، ودفن فيه وهو تحت الكثيب الأحمر، وكان عمره مائة وستة وعشرين سنة، وهرون أكبر منه، قالوا وبعد مضي الأربعين سنة دعى يوشع بني إسرائيل لحرب الجبارين فلبوا دعوته فسار بهم وكان معه تابوت الميثاق، فأحاط بأريحاء ستة أشهر حتى أسقط سور المدينة، ودخلوها عتوة، وقتلوا الجبارين وهزموهم، قالوا وقبل أن يقضوا عليهم قاربت الشّمس على الغياب، وكان يوم جمعة فدعا يوشع عليه السّلام ربه فأخرها حتى تم له الانتقام من أعدائه قبل دخول السّبت المحرم عليهم فيه القتال. وقال مشيرا إلى هذا أمير الشّعراء السّيد شوقي المصري بقوله:

شيعوا الشّمس ومالوا بضحاها فانحنى الشّرق عليها فبكاها
ليتني في الرّكب لما أفلت يوشع همت فنادى فثناها
إلى آخر الأبيات التي رثى بها سعد زغلول رحمهما الله، وقال الآخر:
فحدثت نفسي أنها الشّمس أشرقت وإني قد أوتيت آية يوشع
بما يدل على أن قضية رد الشّمس شائعة متواترة مشهورة لسيدنا يوشع كما هي لسيدنا داود عليهم الصّلاة والسّلام، راجع ما قدمناه مما يتعلق في هذا البحث في الآية ٣١ من سورة ص، وأول سورتي القمر والإسراء في ج ١، ثم تتبع ملوك الشام فاجتاح منهم واحدا وثلاثين ملكا واستولى على بلادهم وصارت كلها لبني

صفحة رقم 316

إسرائيل، وفرق العمال في نواحيها، وجمع الغنائم فأطلق عليها النّار فلم تأكلها، فقال إن بكم غلولا أي سرقة من الغنائم لأنها لم تبح لهم ولا لغيرهم إلّا لمحمد وأصحابه وأمته بعده، راجع الآية ٤١ من سورة الأنفال وأولها تجد هذا البحث مستوفى فيهما، ولمعرفة السّارق أمر سيدنا يوشع بحضور رجل واحد من كلّ قبيلة ليبايعه فتهافت النّاس ولم يزل يصافحهم واحدا بعد واحد حتى لصقت يده بيد رجل منهم، فقال له أن الغلول فيكم، فأتوا به ثم جازا له برأس ثور من ذهب مكلل بالجواهر كان اختلسه رجل منهم فأحضر فوضعه هو والرّأس في القربان فأكلتهم النّار، قال تعالى «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ» يا سيد الرّسل «نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ» هابيل وقابيل، وهذه قصة أخرى يقصها الله على رسوله من أمر غيبه اخبارا «بِالْحَقِّ» ليذكرها لقومه «إِذْ قَرَّبا قُرْباناً» هو اسم لما يتقرب به إلى الله تعالى من صدقة أو ذبيحة أو نسك أو غيره «فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما» هابيل بأن جاءت نار من السّماء فأكلته «وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ» قابيل إذ بقي قربانه في الأرض فأكلته الطّير والسّباع «قالَ» قابيل حاسدا لأخيه هابيل إذ تقبل قربانه دونه «لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ» ولم ولم أخطئ؟ قال لردّ قرباني وقبول قربانك «قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» (٢٧) بأسه التمثيل أمره ثم قال له بعد أن ذكره عقاب الله إن فعل ما أراده وعذابه العظيم عليه، لأن ردّ القربان ليس له به دخل إنما هو أمر الله، واستعطفه واسترحمه فلم ينجح به فقال «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي» من أجل عدم قبول قربانك الكائن من الله وحده، فافعل ما بدا لك، فإني لا أقابلك «ما أَنَا بِباسِطٍ» مادّ «يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ» كما انك مادّها لتقتلني «إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ» (٢٨) وذلك لأن الدّفاع عن النّفس لم يشرع بعد، وإلّا فهو أقوى منه على ما قالوا، ثم قال له على طريق التخويف من العاقبة «إِنِّي أُرِيدُ» بعدم إرادتي قتلك وعدم الذبّ عن نفسي «أَنْ تَبُوءَ» تحتمل وترجع إلى الله «بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ» الذي لم يقبل لأجله قربانك، كما سيأتي بالقصة «فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ» الخالدين فيها كما يفهم من معنى الصّحبة «وَذلِكَ» الجزاء

صفحة رقم 317
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية