
على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يبين للناس جميع ما بهم الحاجةُ إليه من أمر دينهم، ويوضحه لهم، حتى يعرفوا حقَّه من باطله. (١)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ﴾
قال أبو جعفر: يعني عز ذكره: يهدي بهذا الكتاب المبين الذي جاء من الله جل جلاله= ويعني بقوله:"يهدي به الله"، يرشد به الله ويسدِّد به، (٢) = و"الهاء" في قوله:"به" عائدة على"الكتاب"="من اتبع رضوانه"، يقول: من اتبع رِضَى الله. (٣)
* * *
واختلف في معنى"الرضى" من الله جل وعز.
فقال بعضهم: الرضى منه بالشيء"، القبول له والمدح والثناء. قالوا: فهو قابل الإيمان، ومُزَكّ له، ومثنٍ على المؤمن بالإيمان، وواصفٌ الإيمانَ بأنه نور وهُدًى وفصْل. (٤)
* * *
وقال آخرون: معنى"الرضى" من الله جل وعز، معنى مفهوم، هو
(٢) انظر تفسير"يهدي" فيما سلف من فهارس اللغة.
(٣) انظر تفسير"الرضوان" فيما سلف ٦: ٢٦٢/٩: ٤٨٠.
(٤) في المطبوعة والمخطوطة: "وفضل" بالضاد المعجمة، و"الفصل" هنا هو حق المعنى، لأنه يفصل بين الحق والباطل.

خلاف السخط، وهو صفة من صفاته على ما يعقل من معاني:"الرضى" الذي هو خلاف السخط، وليس ذلك بالمدح، لأن المدح والثناء قولٌ، وإنما يثنى ويمدح ما قد رُضِي. قالوا: فالرضا معنًى، و"الثناء" و"المدح" معنًى ليس به.
* * *
ويعني بقوله:"سُبُل السلام"، طرق السلام (١) = و"السلام"، هو الله عزَّ ذكره.
١١٦١٢ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"من اتبع رضوانه سبل السلام"، سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية.
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ﴾
قال أبو جعفر: يقول عز ذكره: يهدي الله بهذا الكتاب المبين، من اتبع رضوان الله إلى سبل السلام وشرائع دينه="ويخرجهم"، يقول: ويخرج من اتبع رضوانه= و"الهاء والميم" في:"ويخرجهم" إلى من ذُكر="من الظلمات إلى النور"، يعني: من ظلمات الكفر والشرك، إلى نور الإسلام وضيائه (٢) ="بإذنه"، يعني: بإذن الله جل وعز. و"إذنه في هذا الموضع: تحبيبه إياه الإيمان برفع طابَع الكفر عن قلبه، وخاتم الشرك عنه، وتوفيقه لإبصار سُبُل السّلام. (٣)
* * *
(٢) انظر تفسير"من الظلمات إلى النور" فيما سلف ٥: ٤٢٤-٤٢٦.
(٣) انظر تفسير"الإذن" فيما سلف ٨: ٥١٦، تعليق: ١، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) ﴾
قال أبو جعفر: يعني عز ذكره بقوله:"ويهديهم"، ويرشدهم ويسددهم (١) ="إلى صراط مستقيم"، يقول: إلى طريق مستقيم، وهو دين الله القويم الذي لا اعوجاج فيه. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله عز ذكره: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾
قال أبو جعفر: هذا ذمٌّ من الله عز ذكره للنصارى والنصرانية، الذين ضلُّوا عن سبل السلام= واحتجاجٌ منه لنبيه محمد ﷺ في فِرْيتهم عليه بادّعائهم له ولدًا.
يقول جل ثناؤه: أقسم، لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم= و"كفرهم" في ذلك، تغطيتهم الحقّ في تركهم نفي الولد عن الله جل وعز، وادِّعائهم أن المسيح هو الله، فرية وكذبًا عليه. (٣)
* * *
وقد بينا معنى:"المسيح" فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٤).
* * *
(٢) انظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف ٨: ٥٢٩، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٣) انظر تفسير"الكفر" فيما سلف من فهارس اللغة.
(٤) انظر تفسير"المسيح" فيما سلف ٩: ٤١٧، تعليق: ١، والمراجع هناك.