آيات من القرآن الكريم

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

والعبرة من هذه الأخبار: تحذير المؤمنين من التّشبه بهم وترك تعاليم دينهم، فإن الله بالمرصاد لكل من خالف أوامر الله وعصى أحكام ربّه.
مقاصد القرآن والرّسالة النّبوية
لكل كتاب إلهي أهداف عامّة ومقاصد تشريعية، ولكل رسول مهام وخصائص معينة، وقد أبان القرآن الكريم مقاصده وخصائص الرسول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بإيجاز، وحصر وصف الرسول بأمرين اثنين: هما البيان الإلهي، والعفو عن كثير مما يكتمه أهل الكتاب، ووصف القرآن بأنه نور وبأنه الهادي إلى الصّراط المستقيم، وبأنه يخرج الناس من الظّلمات إلى النّور.
قال الله تعالى:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٥ الى ١٦]
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)
[المائدة: ٥/ ١٥- ١٦].
أخرج ابن جرير الطبري في بيان سبب النزول عن عكرمة قال: إن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم أتاه اليهود يسألونه عن الرّجم، فقال: أيكم أعلم؟ فأشاروا إلى ابن صوريا، فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى، والذي رفع الطور، والمواثيق التي أخذت عليهم، حتى أخذته رعدة من الخوف، فقال: لما كثر فينا جلدنا مائة، وحلقنا الرؤوس، فحكم عليهم بالرّجم، فأنزل الله: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا..
الآية.
والمعنى يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد جاءكم رسولنا محمد صلّى الله عليه وسلّم بالهدى

صفحة رقم 442

ودين الحق إلى جميع أهل الأرض، وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل.
ووصف الرسول هنا بصفتين:
الأولى- أنه يبين لهم كثيرا مما يخفون من أحكام الكتاب الإلهي وهو التوراة، قال ابن عباس: «أخفوا صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأخفوا أمر الرّجم، وعفا عن كثير مما أخفوه، فلم يفضحهم ببيانه». والإخفاء أدب جمّ من القرآن، لأن المهم أن يؤمنوا بالقرآن، ولا داعي للإثارة المبعدة عن الإيمان وإعلان الحق.
الصفة الثانية- ويعفو عن كثير، أي يترك كثيرا ولا يظهر ما تكتمونه أنتم، إبقاء عليكم، وإنما لم يظهره لعدم الحاجة إليه في الدين. وهذا يدعوهم إلى أن يكونوا صرحاء جريئين في بيان أحكام الشرع الإلهي دون كتمان شيء، ولا تهرّب من إظهار الحقائق. وإذا كان العفو من النّبي عليه الصّلاة والسّلام فبأمر ربّه. وإذا كان من الله تبارك وتعالى فعلى لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. والمعنيان متقاربان.
وقوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وفي الآية الدلالة على صحة نبوّة محمد، لأن إعلامه أهل الكتاب بخفي ما في كتبهم، وهو أمّي لا يقرأ ولا يكتب دليل على أن ذلك إنما هو وحي يأتيه من عند الله تعالى.
ثم وصف الله تعالى ما جاء به من عنده بأن محمدا الرسول أو القرآن نور يضيء درب الحق، وأن القرآن كتاب واضح يهدي به الله من أقبل عليه، واتّبع الدين الذي يرضى به الله تعالى، يهدي إلى طريق النّجاة والسّلامة ومناهج الاستقامة، وينجّي الناس من المهالك، ويخرجهم من ظلمات الكفر والضّلال إلى نور الحق والإيمان، ويرشدهم إلى الطريق القويم وهو الدين الحق الذي يوصل الناس إلى خيري الدنيا والآخرة. وذلك لأن طريق الحق واحد لذاته، وطريقه مستقيم واحد، لا اعوجاج فيه ولا غموض، أما الباطل فله شعاب كثيرة، وكلها معوجّة.

صفحة رقم 443

يظهر مما تقدم أن مقاصد القرآن الكريم ثلاثة:
١- إن المتّبع لما يرضي الله والمقبل على مراده يهديه القرآن إلى طريق النّجاة والسّلامة من الشّقاء والعذاب في الدنيا والآخرة، باتّباع الإسلام، والإسلام دين الحق والعدل والإخلاص والإنقاذ.
٢- إن القرآن المجيد يخرج المؤمنين به من ظلمات الكفر والشّرك والوثنية، والوهم والخرافة، وانحراف التفكير، إلى نور التوحيد الخالص.
٣- إن القرآن العظيم يهدي الناس ويرشدهم إلى الطريق الصحيح الموصل إلى الهدف السديد من الدين، وإلى خيري الدنيا والآخرة.
وكل هذه المقاصد القرآنية الموجهة إلى العالم بأجمعه إكمال لرسالات الأنبياء المتقدمين، وبناء وتقدّم وحضارة ومسيرة في الطريق الصحيح، وخير للبشرية جمعاء، قال الله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) [الإسراء: ١٧/ ٩- ١٠].
ادّعاء النّجاة في الآخرة
هذا العالم الكبير من ملكوت السماوات والأرض والوجود يشتمل على خالق قديم أزلي لم يتقدمه شيء، ومخلوق حادث أوجده الخالق، ومن المستحيل عقلا أن تكون صفات الخالق مثل صفات المخلوقات، وإلا كان مثلها واحتاج إلى من يوجده، فنقع في سلسلة من الافتراضات لا حصر لها، وهذا ممنوع في المنطق السليم. وحينئذ لا يتصور أن يكون أحد من المخلوقات له صفات الخالق المبدع أو حظّ من الألوهية،

صفحة رقم 444
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية